لاهاي: اصبحت دولة فلسطين رسميا الاربعاء عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، ما يتيح لها ملاحقة مسؤولين اسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب او اخرى مرتبطة بالاحتلال رغم ان تبعات هذا الفصل الجديد من النزاع تبقى غير معروفة. ونددت اسرائيل بهذا القرار، معتبرة اياه "سياسيا".

وجرى حفل في جلسة مغلقة في مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بمناسبة هذا الانضمام تسلم خلاله وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي نسخة رمزية من اتفاقية روما التي تأسست بناء عليها المحكمة الجنائية. واكد المالكي للصحافيين بعد الحفل ان "فلسطين تبحث عن العدل، وليس الانتقام". وبحسب المالكي فان على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ان "لا يكون خائفا (...) وان كان لدى اسرائيل شكاوى (ضد الفلسطينيين) فعليها تقديمها للمحكمة الجنائية الدولية".

ونددت اسرائيل بهذه الخطوة، وقالت في بيان اصدرته وزارة الخارجية مساء الاربعاء ان "القرار الفلسطيني بالانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية لاطلاق ملاحقات قضائية ضد اسرائيل، سياسي ووقح وخبيث". واضاف البيان "ان حكومة السلطة الفلسطينية المتعاونة مع حركة حماس الارهابية التي ترتكب جرائم حرب (...) هي اخر طرف يمكنه التهديد بملاحقات قضائية امام محكمة لاهاي الدولية".

وتابع ان "الاعمال الفلسطينية الاحادية، وفي طليعتها الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية، هي انتهاك للمبادئ القائمة بين الجانبين بدعم من الاسرة الدولية لتسوية النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني". واحتمال ان تقوم المحكمة باطلاق تحقيقات يثير مخاوف الاسرائيليين. فقد اتهم نتانياهو الفلسطينيين وحكومتهم التي تضم حركة حماس التي تعتبرها اسرائيل حركة "ارهابية" بـ "التلاعب بالمحكمة".

وبعد الانسداد الكامل للافق السياسي، الذي كان يفترض ان يتيح اقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبا الى جنب مع اسرائيل، اختار الفلسطينيون نقل المواجهة مع اسرائيل الى الساحة الدولية. وقرر الفلسطينيون في اواخر 2014 تقديم طلب الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية التي تلاحق المشبوهين بارتكاب عمليات ابادة وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب بعد رفض مجلس الامن الدولي اعتماد مشروع قرار ينهي الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية بحلول نهاية 2017.

وقامت السلطة الفلسطينية بارسال وثائق تسمح للمدعي العام للمحكمة بالتحقيق في جرائم تزعم انها ارتكبت في الاراضي الفلسطينية منذ حزيران/يونيو 2014. واعلنت المحكمة الجنائية الدولية في منتصف كانون الثاني/يناير الماضي فتح بحث اولي، وهو مرحلة تسبق فتح تحقيق، حول جرائم حرب مفترضة ارتكبت منذ صيف 2014 في فلسطين.

وشنت اسرائيل في تموز/يوليو الماضي حربا مدمرة على قطاع غزة، ما ادى الى مقتل قرابة 2200 فلسطيني، في غالبيتهم من المدنيين. وقتل اكثر من 70 شخصا في الجانب الاسرائيلي كلهم من الجنود تقريبا. وقد تؤدي التحقيقات في ارتكاب اسرائيل لجرائم حرب في قطاع غزة الى تحقيق في اطلاق الصواريخ وقذائف الهاون من قطاع غزة على اسرائيل.

من جهتها، رحبت حركة حماس في قطاع غزة في بيان لها بالانضمام، معتبرة اياه "خطوة اولى من قبل المجتمع الدولي لعزل الكيان الصهيوني المجرم". وطالبت حماس السلطة الفلسطينية بتحمل مسؤولياتها الرسمية و"العمل بجدية بالغة لملاحقة قادة العدو الصهيوني". وفي الاجمال فان 123 دولة انضمت حتى اليوم الى معاهدة روما.

ومع ان اسرائيل ليست عضوا في المحكمة، الا انه بامكان المحكمة ملاحقة اسرائيليين بتهمة ارتكاب "جرائم" على الاراضي الفلسطينية، ولكنها ستواجه صعوبات في اعتقال المشتبهين الاسرائيليين، لانها لا تملك قوة شرطية، وتعتمد على تعاون الدول الاعضاء فيها. ونظريا، بامكان الفلسطينيين طرح قضايا محددة امام المحكمة مثل البناء في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.

واكد المالكي ان الحكومة الفلسطينية في انتظار نتائج البحث الاولي. واضاف "لسنا في مزاج للتهديد. نريد الانتظار واعطاء المحكمة متسعا من الوقت لاكمال بحثها الاولي".
وردا على انضمام الفلسطينيين في المحكمة، جمدت اسرائيل في كانون الثاني/يناير تحويل ضرائب تجمعها شهريا لحساب السلطة الفلسطينية تقدر بمئة مليون يورو شهريا.

لكن الانتخابات الاسرائيلية التي جرت في الاونة الاخيرة اوجدت معطيات جديدة. فقد اعلن نتانياهو خلال الحملة الانتخابية انه سيرفض قيام دولة فلسطينية في حال اعيد انتخابه.
ومنذ ذلك الحين وافق نتانياهو على الافراج عن عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية التي تواجه ازمة مالية خانقة. ويبدو ان هذا القرار الاسرائيلي اراد توجيه رسالتين: بادرة حسن نية تجاه الفلسطينيين تتزامن مع وصول العلاقات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية الى مرحلة حساسة للغاية، وبادرة حسن نية تجاه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

والمعروف ان السلطة الفلسطينية تعتمد بشكل اساسي في موازنتها على هذه المبالغ، وغيابها قد يدفع نحو انهيارها وخلق فراغ خطير في المناطق الفلسطينية. وبين مختلف اشكال الردود، ساندت اسرائيل شكاوى ضحايا هجمات. وتدعم اسرائيل شكوى تقدم بها 26 اميركيا في الولايات المتحدة تطالب ملاحقة قادة كبار في حركة حماس بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال هجوم اسرائيل على قطاع غزة في 2014، حسبما اعلنت منظمة يمينية تمثلهم الثلاثاء.

ورحبت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الاربعاء بانضمام فلسطين الى المحكمة الجنائية الدولية، ودعت اسرائيل والولايات المتحدة اللتين تعارضان انضمام الفلسطينيين الى المحكمة "الى انهاء ضغوطهما فورا" على الفلسطينيين.

واضافت ان "ما يثير الاعتراض هو محاولات تقويض العدالة الدولية، وليس قرار فلسطين الانضمام الى معاهدة اكثر من 100 دولة في العالم اعضاء فيها". ونال الفلسطينيون صفة دولة مراقب في العام 2012 في الامم المتحدة.