يقرأ المراقبون "إعلان القاهرة" الأخير بكثير من الترقب، لأنه تطوّر استراتيجي تتجاوز مفاعيله حدود السعودية ومصر إلى مرحلة جديدة من التكامل تفرض حراكًا عربيًا جديدًا في قضايا الأمتين العربية والاسلامية.
&
بيروت: حلّ الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع، ضيفًا مكرمًا في القاهرة، فحظي بحفاوة الاستقبال التي خصه بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وحضر إلى جانبه تخريج دفعات عسكرية وأمنية، في مشهد يؤكد عمق العلاقات التي يريد الطرفان نسجها في ما بينهما.&

من الاشارة!
لا شك في أن هذه الزيارة، الأولى منذ منعطف "تسوية فيينا" النووية التاريخي والثانية منذ تقلد الأمير محمد منصب ولي ولي العهد في السعودية، مميزة تحمل في طياتها الكثير من الاشارات والتنبيهات، وجهتها الرياض والقاهرة إلى كل لبيب من الاشارة يفهم، حتى قال المراقبون إن الزيارة محطة من مسيرة الطرفين للبحث عن مصالح مشتركة توثق العلاقة بينهما، وللابتعاد عن أي خلافات في الرأي تترك مسربًا للشائعات عن برود في العلاقة، خصوصًا تلك الخلافات التي تتناول شؤونًا داخلية في كليهما.
فهؤلاء المراقبون يرون أن المملكة العربية السعودية لا تريد للاتفاق النووي الإيراني أن يعكر صفو العلاقات بينها وبين أي من حلفائها السنة، ومصر في مقدمهم، بعدما رأت باكستان وتركيا متأهبتين لعقد الصفقات التجارية المختلفة مع إيران، إثر رفع العقوبات التي كانت مفروضة دوليًا على طهران.
لذا، يأتي "إعلان القاهرة" الجديد، الذي أعلنه ولي ولي العهد السعودي والرئيس المصري تمسكًا بعلاقات استراتيجية، هي نواة أي تحالف سني مقبل ضد إيران، وتصميمًا على امساك عربي بأوراق رابحة.

مكسب إقليمي
وكما الرياض، ترى القاهرة أن "إعلان القاهرة" مكسبٌ إقليمي لها، إضافة إلى مكسب توثيق العلاقات مع حليف وقف معها في السراء والضراء. فالسيسي، بحسب المراقبين، مطمئن اليوم إلى وضعه الداخلي والخارجي، لأن هذا الاعلان يعلنه "الممثل الوحيد لمصر في معادلة العلاقات المميزة مع السعودية"، بعدما توجس خشية من انفتاح الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز على تركيا وعلى حماس الفلسطينية، المرتبطة عقائديًا بالاخوان المسلمين، رغم أن المصريين، وكل العرب، يعرفون أن الملك سلمان ينطلق في حركته السياسية من منطلق وحدة الكلمة العربية والاسلامية في وجه الأخطار المحدقة راهنًا بالعالمين العربي والاسلامي، مع عودة إيران إلى الحضور العالمي، متسلحة بانفتاح أوروبي – أميركي عليها، سياسيًا واقتصاديًا. ويقول المراقبون إن السعودية لا تعادي إلا من يعاديها، بل حتى تسعى إلى الاستقرار التام في المنطقة، ومن هنا كان التدخل العربي، بقيادتها، لإعادة الأمور إلى نصابها في اليمن، بعدما تمادت إيران، عبر وكيلها الحوثي، في غيها على الحدود مع الجزيرة العربية.&
&
حزمة قرارات
من هذا المنطلق، يقرأ الجميع "إعلان القاهرة" تأسيسًا &لمرحلة جديدة من التعاون بين السعودية ومصر أولًا، ولمرحلة من العمل العربي الجاد ثانيًا، إذ انبثق الاعلان هذا من اتفاق جديد بين البلدين الشقيقين &أكد على وضع حزمة من الآليات التنفيذية في مجالات عدة، أولها تطوير التعاون العسكري والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة، وتعزيز التعاون المشترك والاستثمارات في مجالات الطاقة والربط الكهربائي والنقل، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين، والعمل على جعلهما محورًا رئيسًا في حركة التجارة العالمية، وتكثيف الاستثمارات المتبادلة، سعودية ومصرية، بهدف تدشين مشروعات مشتركة، وتكثيف التعاون السياسي والثقافي والإعلامي بين البلدين في ضوء المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين، ومواجهة التحديات والأخطار التي تفرضها المرحلة الراهنة، بالاضافة إلى تعيين الحدود البحرية بين البلدين، في ما أسماه وزير الخارجية المصري سامح شكري بـ "التكامل" بين البلدين، أي مرحلة تتجاوز التعاون والتنسيق، وفي ما أكده وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بشأن وضع آلية لنقل العلاقات بين البلدين "إلى آفاق استراتيجية جديدة"، واصفًا البلدين بجناحي الأمة الإسلامية، يرفرفان خدمة للشعوب العربية والإسلامية وحماية لهم من أي عدوان أو مكروه.
&
تطوّر استراتيجي
واعتبر نبيل العربي، أمين عام جامعة الدول العربية، أن "إعلان القاهرة"، والاتفاق على اقرار القوة العربية المشتركة، "من شأنه أن ينعكس إيجابًا على الاجتماع المقبل لوزراء الدفاع والخارجية العرب، في 27 آب (أغسطس) القادم، وأن الإسراع بإنجاز هذه الخطوة سيسهم بشكل كبير في تعزيز مسيرة العمل العربي المشترك، والتعاون من أجل صيانة الأمن القومي العربي، وحماية الشعوب العربية من خطر الإرهاب".
وبذلك، يتجاوز "إعلان القاهرة" كونه التطور الاستراتيجي بين بلدين، إلى تطور استراتيجي في العلاقات العربية، مؤسسًا لمرحلة جديدة ومختلفة من العمل العربي المشترك، وخصوصًا في المجالين الأمني والعسكري، &
وأعاد "إعلان القاهرة" صيغة عربية وحدوية راسخة، كان الاخوان يريدون نسفها إن قدروا، أو تناسيها على الأقل، وهي ضرورة وجود القاهرة في قلب أي تفاعل عربي مشترك مع المستجدات الاقليمية والدولية، وحتمية الدور السعودي في أي توجه عربي مشترك لتدارك الأخطار التي تحدق بالعرب والمسلمين، إن كان&إرهابًا جهاديًا أو توسعًا إيرانيًا. لذا، يعوّل المراقبون كثيرًا على الحراك السعودي-المصري الحاصل اليوم، إذ هم مؤمنون بأن مفاعيله تتخطى ما أعلن عنه حتى الآن، خصوصًا أن مباحثات ولي ولي العهد السعودي في القاهرة خلال اليومين الماضيين تناولت مسألتين مهمتين، يريد البلدان الانتهاء منهما، هما المسألة السورية والمسألة اليمنية. فالبلدان مصران على وقف الغيّ الإيراني عند حده في المسألتين، خصوصًا أن لا مفر من الاعتراف بأن طهران عامل تأجيج في كليهما.