أعلنت الحكومة المصرية رسميا توقف عمليات البحث والإنقاذ عن ناجين جدد او ضحايا لحادثة غرق مركب، يُعتقد أنه كان يقل مهاجرين، قبالة السواحل المصرية أواخر الأسبوع الماضي.

جاء هذا فيما لا تزال عشرات الأسر المصرية تحاول معرفة مصير ذويها.

فبعض ركاب القارب المنكوب ليسوا من بين الأحياء ولا الأموات، إذ لم تدرج أسماؤهم ضمن قوائم المتوفين ولم يعثر عليهم بين الناجين.

وصرح المتحدث الإعلامي باسم محافظة البحيرة وهدان السيد بأن عمليات البحث قد توقفت مساء الثلاثاء الماضي بعد انتشال المركب والجثث الموجودة بداخله.

وقال السيد لبي بي سي إن الحصيلة النهائية للضحايا بلغت 202 قتيل، بينما تم إنقاذ 164 شخصا. وأوضح أنه تم التعرف على 92 جثة بينما توجد أكثر من 100 جثة مجهولة الهوية. وطبقا للأرقام الرسمية فإن عدد المهاجرين على متن القارب الغارق وصل إلى 366 شخصا.

لكن بعض الصيادين المحليين يقولون إن العدد يتجاوز 500 شخص، وأن القارب لم يكن يتسع إلا لربع هذا العدد تقريبا. ولا توجد وسيلة دقيقة للتأكد من الرقم الصحيح وحسم هذا التضارب.

مفقودون

وبينما توقفت عمليات الإنقاذ، لاتزال عدة أسر تحاول الوصول إلي ذويها ممن كانوا على متن القارب ولم يستدل عليهم حتي الآن رغم مرور اكثر من أسبوع على الحادث.

كان بدر من بين الركاب. قرر أن يهاجر مع زوجته وبناته الثلاث الصغيرات. كان يتطلع للذهاب إلى إيطاليا في رحلة لم يقدر لها أن تتم. بعد ساعات طويلة قضاها في البحر يصارع الموت، عاد بدر وحده إلى أرض الوطن، أما بناته فقد فارقوا الحياة، فيما لم يعرف مصير زوجته حتى الآن.

رفض بدر الحديث إلى وسائل الإعلام، لكننا نجحنا في التواصل مع أحد أقاربه. يخبرنا قريبه الذي يدعى حمدي اسماعيل أن "الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر هي التي دفعت بدر لمحاولة الرحيل، فضيق ذات اليد لم يفسح له مجالا لكسب العيش".

حاول بدر مرارا أن يعثر على زوجته، فبات يقضي وقته بين البحث في المستشفيات القريبة من مدينة رشيد الساحلية وبين الوقوف على شاطئ المدينة، إذ ربما يعود جثمانها على ظهر إحدى القوارب التي تنتشل جثث الضحايا. يحكي اسماعيل قائلا "ساعات الانتظار الطويلة تدمر الاعصاب. كل ما يريده بدر هو ان يدفن زوجته ويشيعها إلى مثواها الأخير."

يأبى بدر أن يغادر شاطئ مدينة رشيد، ولا يكف عن البحث، رافضا تصديق أن آماله في معرفة مصير زوجته قد تكون تبددت.

وتقول السلطات إنها تواجه صعوبة في تحديد هوية الجثث المجهولة.

وقال مسؤول إن "وجود الجثث داخل المياه لفترة طويلة غير ملامحها بشكل ملحوظ، وهو ما جعل التعرف عليها مسألة شاقة." ويضيف انه تلقي نحو 20 بلاغا عن أشخاص مفقودين يقول ذووهم إنهم كانوا على متن القارب ولم يتم العثور عليهم حتى الآن.

"درجة الفقراء"

رحلات الهجرة غير الشرعية عادة ما تتم عبر عدة مراحل، بحسب محمد الكاشف، الباحث في شؤون اللاجئين والهجرة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

ويقول الكاشف "يتجمع عدد من القوارب الصغيرة، يحمل كل منها عشرين شخصا على الأقل ثم ينقلون إلى مركب أخرى أكبر حجما تحمل حوالى 500 شخص. يتحرك هذا المركب حتى يخرج من المياه الإقليمية ليصل إلى مركب آخر يبحر داخل المياه الدولية، وقد يتم تبديل المركب عدة مرات داخل المياه الدولية."

ويضيف أن "أسعار الهجرة غير الشرعية للمصريين تتراوح ما بين 18 ألف جنيه مصري (نحو 2000 دولار) و60 ألف جنيه (6000 دولار). وتختلف نوعية المراكب المستخدمة في الهجرة حسب سعر الرحلة، فمثلا تجد أن المراكب في الرحلات رخيص التكلفة تقل ما بين 300 و600 مهاجر. في حين أن عدد الركاب لا يتجاوز 200 شخص في الرحلات الأعلى سعرا، كما تكون المراكب ذات جودة عالية."

ويختتم الكاشف حديثه قائلا "حتى الهجرة غير الشرعية يوجد بها درجات، فهناك درجة سياحية ودرجة اقتصادية ودرجة للفقراء مثلما حدث مع مركب رشيد".

جهود الإغاثة

بحسب روايات شهود عيان فإن قوارب الصيد الصغيرة ساهمت في إنقاذ الكثير من الناجين، ويقول بعض الصيادين المحليين إن هناك جثثا أخرى لم يتم العثور عليها بعد.

"بالتأكيد هناك جثث أخرى، قبل يومين عثرنا على طفل لا يتجاوز عمره اثني عشر عاما بعيدا عن موقع غرق المركب بنحو ثلاثين ميلا بحريا"، هكذا يقول أحمد خميس، أحد الصيادين المشاركين في عمليات الإنقاذ.

ويضيف قائلا "بعد مرور عدة أيام على الحادث، من المؤكد أن سرعة الرياح واتجاهها أدى إلى أن تجرف الجثث بعيدا، وهو ما يحتاج لجهد أكبر في البحث".

ويستطرد قائلا "نحن لا نتقاضي أجرا نظير تلك المساعدة، فنحن جميعا نعمل في البحر وقد نجد أنفسنا في مكانهم غدا، مجرد غرقى في البحر، وهناك من يبحث عننا ويساعدنا. لا يمكن أن اتقاضى مقابلا ماديا نظير مساعدة شخص في العثور على جثة قريبه في البحر".

وتحدث خميس عن أكثر من 20 مركبا ساعدت في عمليات الإنقاذ، قائلا إنها استخرجت مئات الجثث من داخل القارب المنكوب.

هذا فيما يؤكد المتحدث باسم محافظة البحيرة وهدان السيد أن الصيادين المحليين اقتصر دورهم على المساعدة في نقل الجثث وأن قوارب الصيادين لا يمكنها الإبحار في المياه العميقة أو النزول تحت سطح البحر.

&