الجزائر: أثار فيلم وثائقي بثه التلفزيون الحكومي في الجزائر حول ما عاشته البلاد من عنف في تسعينيات القرن الماضي تحت عنوان "حتى لاننسى" حالة من الغضب والاستهجان نظرا لما تضمنه من صور صادمة تتنافى.

وجاء بث هذا الوثائقي بمناسبة الذكرى الـ12 لاستفتاء ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي جرى في 29 سبتمبر 2005، والذي تم بموجبه العفو عمن تخلوا عن السلاح وسلموا أنفسهم للسلطات.

صدمة

لم يتوقع أحد من الجزائريين أن يقوم التلفزيون الحكومي بنشر صور مفزعة كالتي جاءت في وثائقي "حتى لاننسى"، وهو الذي لم يبث ذلك حتى خلال حدوثها في التسعينيات.

وأوضح الإعلامي رؤوف حرزالله الذي غطى أحد المجازر التي تضمن الوثائقي إحدى صورها على صفحته على فيسبوك أن إحدى النساء التي تضررت من الحادثة رفضت وقتها إعادة بث تلك الصور.

وقال حرز الله "أنا وصديقي المصور ميدون عام 1994 قمنا بتصوير مجزرة الهاشمية وأنا من حاورت هذه السيدة في ذات المكان، لما عرض التقرير طلبت مني وقتها ألا يعاد كي لا تتذكر المأساة وحفاظا على خصوصية منطقتها، اليوم أشاهد هذه الصور مرة أخرى على تلفزيون البؤس ليذكرنا بمأساة يعاقب على التذكير بها، وكأن التلفزيون يدعو للعنف مرة أخرى".

وتفاجأ مغردون بأن يقوم التلفزيون الجزائري المعروف بانغلاقه وبعده على كل ما قد يصنف في خانة "الإثارة الإعلامية" ببث تلك الصور المروعة لأطفال وموتى دون إخفاء وجوهم واحترام خصوصيتهم.

مساومة

لكن البعض رأى في هذا الوثائقي هو رسالة من التلفزيون الحكومي مفادها إما القبول بالوضع الراهن أو العودة إلى سنوات العنف.

وقال حفيظ دراجي مدير الأخبار الأسبق بالتلفزيون الجزائري إن "مساومتنا بالأمن مقابل السكوت عن الفساد هو إرهاب نفسي... مغفل ومتخلف وساذج من فكر وقرر بث تلك الصور البشعة التي عشناها في تسعينيات القرن الماضي".

 وأضاف "أما من يريد الترويج من الآن للعهدة الخامسة من خلال ترويع الناس فهو واهم ومغفل".

وبحسب ما ورد على صفحة دراجي على فيسبوك، فإن "الشعب الجزائري يدرك تمام الإدراك بأن ممارساتكم ( في إشارة إلى السلطة) اليوم لا تختلف عن ممارسات هؤلاء وأولئك لكن بطريقة مغايرة باتت مكشوفة للجميع ، لم تتوقفوا عن تحطيم الإنسان الجزائري والقيم والأخلاق، ونهب الخيرات والإفساد".

وذكر مدير الأخبار الأسبق للتلفزيون الجزائري "نعم نحن لم ننس العشرية السوداء (لأننا عشناها)، ولم نكن بحاجة إليكم حتى نتذكر بهذا الشكل الفظيع لأنكم (لم تعيشونها معنا)، لكننا لن ننسى ما فعلتموه بالجزائر طيلة عشريتين من الزمن، دمرتم فيها المعنويات والطموحات وزرعتم اليأس في نفوس أولادنا".

واعتبر حفيظ دراجي ما قام به التلفزيون الحكومي " استغلال صور شهداء العشرية الحمراء هو تعدي صارخ على الأخلاق والقيم الإنسانية والذاكرة الجماعية للجزائريين، لن يزيدنا سوى إصرارا على تجنيب الجزائر نفس السيناريو حتى ولو تماديتم في استفزازكم لنا، ولن يزيدنا سوى يقينا بأنكم تشكلون خطرا على الأمة وتريدون مساومتنا بين السكوت عن الفساد أو العودة إلى الفوضى".

مخالفة

وأوضح المحامي والبرلماني السابق عمار خبابة لـ"إيلاف" أن ما بثه التلفزيون الجزائري مخالف لما تضمنه ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، خاصة المادة 46 التي تنص على معاقبة من يفتح جراح المأساة الوطنية. 

وتقول المادّة 46 "يعاقب بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة من 250 ألف إلى 500 ألف دينار جزائري، كلّ من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أيّ عمل آخر، جراح المأساة الوطنيّة أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهوريّة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الشّعبيّـة، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية، وتبــاشر النيــابة العـامّة المتابعات الجزائية تلقائيا، وفي حالة العودة، تضاعف العقوبة المنصوص عليها في هذه المادّة".

وإلى غاية كتابة هذه الأسطر، لم يحرك النائب العام دعوى ضد التلفزيون الجزائري رغم أن المادة صريحة وواضحة.

 لكن عمار خبابة لا ينتظر هذه الخطوة من القضاء، وأشار في حديثه مع "إيلاف" متسائلا" أتظن أن التلفزيون الحكومي تحرك من تلقاء نفسه حينما بث هذا الوثائقي".

وأضاف أن حملة المقارنة بين ما عاشته البلاد خلال التسعينيات والمرحلة الحالية "بدأها الوزير الأول أحمد أويحيى من البرلمان حينما قارن بين سنة 1997 و2017 بهدف التخويف، فمضمون الرسالة أن مصير الانتفاضة ضد السياسة العرجاء ستكون هكذا".

وأوضح خبابة أن" المصالحة هي طي صفحة الماضي والمضي نحو المستقبل، فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان يقول في خطاباته قبل استفتاء 2005 يجب أن ننسى، لذلك كان الأجدر بهم أن يظهروا كيف اندمج من تخلوا عن السلاح في المجتمع وكيف صاروا يساهمون في بناء الوطن".