كان سيف على موعد للخروج من غزة في الأسبوع التالي لوفاته، متجها إلى دولة الإمارات ليتقدم لخطبة فتاة، لكنه قُتل خلال قصف إسرائيلي لقافلة إغاثية في قطاع غزة.

وسيف هو الفلسطيني الوحيد الذي قُتل ضمن سبعة موظفين للمطبخ العالمي المركزي في قطاع غزة، بينما كان الآخرون يحملون جنسيات أجنبية متعددة.

يقول عصام أبو طه، والد سيف: "ظهرت أسماؤنا في التنسيق الأمني للخروج من غزة، كنا سنذهب للإمارات أنا وسيف ووالدته لنخطب له، كان فرحا بهذه الخطوة، لكن لا أحد يمكنه منع القدر".

الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي أثار حالة واسعة من الغضب في الأوساط الدولية، واعتذر عنه الجيش الإسرائيلي.

"إذا نسي العالم سيف سيظل موجودا في قلوبنا"، يقول شقيقه عبد الرازق أبو طه في مكالمة هاتفية مع بي بي سي، حيث يحكي عن أخيه بكثير من الفخر، وفي ذات الوقت الأسى لفقدانه.

ماذا نعرف عن الفلسطيني الذي قُتل في الهجوم؟

صورة سيف
BBC
كان سيف على موعد للخروج من غزة في الأسبوع التالي لوفاته

اسمه سيف أبو طه يبلغ من العمر 25 عاماً، ولد في قطاع غزة ثم انتقل للدراسة والعمل في الإمارات، تخرج في جامعة عجمان وعاش هناك لفترة.

عاد سيف من الإمارات إلى القطاع قبل نحو ثلاثة أعوام حين افتتحت العائلة مشروع مطاحن الحبوب، يقول شقيقه: "ترك كل شيء ليكون بجانب والديه".

انضم سيف لفريق عمل المطبخ المركزي العالمي بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، حيث استأجرت المنظمة الإغاثية مستودعا تملكه عائلته لتحوله إلى مقر لعملياتها في القطاع.

ويضيف عبد الرازق: "بعد اندلاع الحرب جاءت مؤسسة المطبخ المركزي العالمي، وطلبوا استئجار مستودع المطحنة، لأنه مجهز بسبل مراقبة، وقريب من معبر رفح ما يسهل عمليات إيصال وتنزيل المساعدات، كنا نريد خدمة الناس المنكوبة".

وبسبب إتقانه اللغة الإنجليزية، اندمج سيف سريعا مع الفريق الأجنبي العامل في المنظمة، وتطوع معهم. يقول شقيقه: "أصبح مرافقا لهم بشكل دائم، يقود سياراتهم لأنه يعرف طرقات غزة، ويترجم لهم ويساعدهم في كل شيء".

"كان سعيداً بخدمة الناس"

سيف مع فريق المطبخ المركزي العالمي
BBC
سيف مع فريق المطبخ المركزي العالمي

يعجز الأب عن وصف ما يشعر به تجاه فقد ابنه، ويقول: "سيف كان قريبا مني، كان يأتي لنا كل يوم قبل الإفطار وهو فرح بإطعام الناس وتوزيع المساعدات، كل من عرفه كان يحبه".

ويتابع: "سيف كان سعيدا بالعمل معهم خاصة أن هذه المؤسسة كانت توصل المساعدات إلى شمال القطاع، رغم خوفنا الدائم عليه كان يقول لنا خلونا نخدم الناس".

صدمت العائلة باستهداف مؤسسة إنسانية أجنبية تعمل في القطاع وحاصلة على كل التصاريح اللازمة، يقول شقيقه عبد الرازق: "لم نتوقع ولو للحظة أن يتم استهداف طواقم هذه المؤسسة، لو كنا نعرف كنا رفضنا العمل معهم، لكن هذه المنظمة كانت تغيث الناس، وهي محترمة وعالمية ولها تنسيق عالي، آخر ما كنا نتوقعه هو استهدافها".

"نأمل أن يكون دم السبعة الذين قتلوا سبباً في إنهاء الحرب على غزة"، يقول عبد الرازق.

سنواصل إطعام الناس

مؤسس منظمة المطبخ المركزي العالمي خوسيه أندريس
BBC
مؤسس منظمة المطبخ المركزي العالمي خوسيه أندريس

عقب الحادث، أعلنت منظمة المطبخ المركزي العالمي تعليق عملياتها الإغاثية في قطاع غزة، وهو القرار الذي شعرت عائلة سيف بالأسف تجاهه.

يقول شقيقه عبد الرازق: "نتمنى أن يستأنفوا العمل إذا أعطتهم إسرائيل ضمانات أمنية، وسنواصل التعاون معهم، لأنهم يخدمون الجائعين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالحرب".

ويتابع: "كان هدف سيف وزملائه هو إطعام الناس، ولا نريد لأي قوة في العالم أن توقفنا عن تحقيق الهدف الذي ماتوا من أجله".

وعقب مقتل سيف أرسل مؤسس منظمة المطبخ المركزي العالمي خوسيه أندريس رسالة إلى سيف، قال فيها: "شكرا على تضحياتك، وآسف لما حدث لك، لكن أريدك أن تعرف أننا سنحاول إيقاف الحرب، وأعدك أننا سنستمر في إطعام أهالي غزة".

إلى جانب مؤسسة المطبخ المركزي العالمي، علقت العديد من المؤسسات الإغاثية عملها في قطاع غزة عقب هذا الحادث، حيث قُتل 196 من عمال الإغاثة خلال الحرب في قطاع غزة، 175 شخصا منهم يعملون مع الأمم المتحدة.

وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإجراء تحقيق مستقل في حادث مقتل كل شخص من عمال الإغاثة الذين قُتلوا في القطاع منذ بدء الحرب.

وقُتل الموظفون في ثلاث غارات جوية استهدفت ثلاث سيارات تابعة للمنظمة كانت في طريقها للعودة إلى إنزال أطنان من المساعدات الغذائية بمقر المؤسسة في دير البلح.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه أجرى تحقيقا في الحادث، وأقر بوقوع خطأ، وقال إن "قصف المركبات تم في انتهاك خطير للتعليمات والأوامر ذات الصلة"، كما أقال الجيش ضابطين، ووجه توبيخاً لعدد آخر من كبار الضباط لمسؤوليتهم على الحادث.

على الجانب الآخر، رفضت منظمة المطبخ المركزي العالمي النتائج التي خلص إليها التحقيق الإسرائيلي، وطالبت بإجراء تحقيق مستقل، كما أعلنت استمرار تعليق عملياتها في القطاع.

ويقول مراقبون إن قصف موظفي المطبخ المركزي العالمي وتعليق عديد من المؤسسات الإغاثية عملها، سيزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، خاصة في شمال القطاع، حيث كان المطبخ واحدا من المنظمات القليلة التي تعمل في الشمال.

موقع الضربة التي أدت لقتل سبعة من عمال الإغاثة في غزة
BBC
موقع الضربة التي أدت لقتل سبعة من عمال الإغاثة في غزة

وعقب هذا الحادث، واجهت إسرائيل ضغوطا دولية واسعة، لتغيير سياستها تجاه الحرب، والسماح بتأمين وصول المساعدات بشكل وكميات أكبر لتجنب خطر "المجاعة" الذي بات يخيم على قطاع غزة.

وتصف العديد من المنظمات الإغاثية، من بينها اللجنة الدولية للإنقاذ قطاع غزة بأنه واحد من "أخطر الأماكن على الإطلاق" للعاملين في الإغاثة.

بطاقة العمل الخاصة بسيف في موقع الضربة
BBC
بطاقة العمل الخاصة بسيف في موقع الضربة

وتعرض جزء كبير من قطاع غزة للدمار خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية التي بدأت بعد أن هاجم مسلحون من حماس جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز 253 رهينة بحسب السلطات الإسرائيلية.

وقُتل أكثر من 33 ألف فلسطيني منذ بدء العملية العسكرية على غزة، بحسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع.

وتقول إسرائيل إنها لن توقف عملياتها العسكرية في القطاع حتى تستعيد جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، وتقضي على حركتي حماس والجهاد الإسلامي في القطاع بشكل كامل.

ولا يزال حوالي 130 من الرهائن في الأسر، ويُعتقد أن 34 منهم على الأقل في عداد الموتى.