يحتفل المسلمون بحلول عيد الفطر في وقت ألقت فيه الحرب الإسرائيلية الدائرة في قطاع غزة بظلالها على احتفالات هذا العام، لاسيما في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويتردد صوت الأذان في الشوارع المرصوفة بالحصى في المدينة القديمة بالقدس الشرقية المحتلة، مرورا بنقطة تفتيش إسرائيلية قبل أن نصل إلى باب منزل إلهام، البالغة من العمر 35 عاما.

تقول إلهام بحماس: "هل يمكنك سماع ذلك؟ إنه من الأقصى".

ويقع منزل الشابة الفلسطينية على مقربة من المسجد الأقصى، أحد أقدس الأماكن في الإسلام، وهي منطقة تعتبر أيضا محل نزاع وتحظى بأهمية دينية كأحد أقدس المواقع في اليهودية.

تدرك إلهام كم هي محظوظة لأنها تعيش هنا، وتقول: "إنها هدية روحية. الجميع يحسدونني على ذلك. ويقولون لي أنتِ محظوظة جدا".

تعد إلهام، وهي أخصائية اجتماعية، واحدة من نحو 450 فلسطينيا من أصول أفريقية، ينحدر نسلهم إلى حجاج قدموا من تشاد ونيجيريا والسنغال والسودان، ويعيشون في هذا الجزء من الحي الإسلامي بالمدينة القديمة.

كانت منازلهم يوما ما، عبارة عن سجون تابعة للعثمانيين قبل سيطرة البريطانيين على القدس عام 1917، وبعد أن قامت السلطات البريطانية بمحاولة فاشلة لاغتيال مفتي القدس المثير للجدل، الشيخ الحاج أمين الحسيني، أُهديت الأرض للفلسطينيين من أصول أفريقية كبادرة على حسن النوايا، إذ كان حارس فلسطيني من أصول أفريقية، هو الشخص الذي أنقذ حياة المفتي، وضحى بحياته من أجله.

إلهام
BBC
إلهام واحدة من الفلسطينيين الذين يرتبط تاريخهم بالمسجد الأقصى.

وتُعرف هذه الجالية، التي تعيش في المنطقة على امتداد ثلاثة إلى أربعة أجيال، باسم "حراس الأقصى".

وتقول إلهام إنهم لا يشعرون هذا العام بأي فرح يمكنه أن يبدد مشاعر الذنب والعجز التي يشعر به المسلمون الفلسطينيون الذين يعيشون في القدس الشرقية.

وتضيف وهي تضحك بسخرية: "يمكنك أن تهنيء بمقولة عيد سعيد وتجتمع وتجلس مع العائلة، لكن أي عيد هذا؟ لم نشعر بشهر رمضان، ولن نشعر بأجواء العيد. لا يوجد شيء طبيعي في حياتنا اليومية. نجلس فقط ونفكر في غزة".

ويزدحم المسجد الأقصى دائما أثناء صلاة الجمعة، بيد أن السلطات الإسرائيلية قيّدت الدخول إليه خلال شهر رمضان خلال السنوات الماضية، لأسباب أمنية.

كما تم الإبلاغ عن وقوع مصادمات صغيرة في محيط المسجد الأقصى، لا تعادل حجم الحوادث التي وقعت في الماضي.

وأثيرت هذا العام، في ظل اندلاع الصراع في غزة، العديد من المخاوف خاصة من تفاقم التوترات، وأُعلن عن السماح فقط للرجال الذين تتجاوز أعمارهم عن 55 عاما والنساء فوق 50 عاما بدخول الأقصى.

وعلى الرغم من ذلك، سمح الحراس المتمركزون في الخارج للزوار من جميع الأعمار، حسب قولهم، بالدخول، وتجمع عشرات الآلاف من الأشخاص للصلاة في المسجد.

بيد أن إلهام نفسها تدخل دون صعوبة، ووجدت مساحة على الأرض خارج قبة الصخرة، في وسط ساحة المسجد، بين آلاف النساء الأخريات الجالسات لأداء صلاة الجمعة.

وبدأ الإمام خطبته بشيء واحد فقط يدور في ذهنه، ويقول :"برد قارس، وصقيع قاتل، مشاهد أطراف مبتورة وأنهار الدم من أرضنا العزيزة غزة، نستعيذ بالله من قلوب قاسية كالحجارة أو أقسى منها، لا ترحم ولا تعرف رحمة ولا إنسانية. لك الله يا غزة".

عائلة إلهام تستعد لتناول الإفطار الرمضاني
BBC
إلهام وعائلتها يستعدون لتناول إفطارهم الرمضاني في القدس الشرقية.

الجميع يدعون لغزة، بعد أن أصبح ذلك شكلا من أشكال المقاومة، حتى بعض المسلمين، الذين لم يعتادوا الصيام من قبل خلال شهر رمضان، صاموا لأول مرة هذا العام من أجل الفلسطينيين.

ويقول مصطفى أبو صوي، الذي يعطي دروسا دينية في المسجد، إن قلوب المسلمين في القدس الشرقية حزينة.

ويضيف: "رمضان هو شهر الروحانية والإحسان والرعاية لإخواننا في الإنسانية. وبينما نواصل بذل قصارى جهدنا، شهد شهر رمضان هذا العام إبادة جماعية في غزة، ينقصنا كل شيء باستثناء الموت والمجاعة والألم".

وتنفي إسرائيل اتهامات الإبادة الجماعية وتصفها بأنها "شائنة"، وتقول إنها "ملتزمة بشدة" بالقانون الدولي.

وتمر إلهام، في طريق عودتها إلى منزلها الذي يستغرق دقيقة واحدة، بسرعة عبر أكشاك السوق الملاصقة لأزقة الحي الإسلامي.

وعندما تدخل الحي الذي تعيش فيه، ترى مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية تزين الجدران المبنية من الطوب، وتُظهر إحدى اللوحات خريطة تفصيلية للقارة الأفريقية، مع خريطة أخرى لفلسطين الملاصقة لمصر، تم رسم قبة الصخرة بشكل خفيف عليها.

عادت إلهام إلى منزلها في الوقت المناسب لتناول الإفطار الرمضاني مع عائلتها، بما في ذلك أعمامها وخالاتها. المنزل مزدحم، وتسيطر والدتها وخالاتها على الحديث.

يدور الحديث باستمرار عما يُنشر في الأخبار والقضايا الاجتماعية، وكيف قضوا يومهم في الصلاة، وحتى قضية غزة، كل هذا وهم يستعدون لتناول الطعام. ثم يتحول الحديث إلى الحرب في غزة، وتقول عمة إلهام: "يا الله إننا نأكل تحت سقف واحد، يا الله نحن مجتمعون في دفء".

ويقول أفراد الجالية الفلسطينية من أصول أفريقية إنهم ستضامنون مع سكان غزة في هذا العيد، ولن يحتفلوا بالعيد إلا اسما.

وتقول إلهام: "لا نشعر بسعادة. لم نزين بيوتنا، ولم نستقبل زائرين. لم يبق سوى بعض روحانية وشعائر رمضان".