أثارت قضية مقتل السياسي باسكال سليمان اهتمام الرأي العام اللبناني على مدى أيام، حيث تم تداول الحادث مصحوبا بروايات وقصص عديدة، بينها ما هو حقيقي وما هو مجرد شائعات.

هذه الشائعات أدت إلى احتقان الوضع داخل الشارع اللبناني، مع تبادل الاتهامات بين أطراف مختلفة ووقوع أعمال عنف في بعض الأحيان.

في محاولة لفهم ما حدث، قام فريق بي بي سي لتقصي الحقائق برصد كل ما نشر وأعلن عن حادث مقتل باسكال سليمان منذ تداول الأنباء عن اختفائه وحتى الآن.

ماذا حدث؟

تبدأ القصة مع حضور باسكال سليمان جنازة أحد أصدقائه في كنيسة مار جرجس ببلدة ترتج، حيث خرج من الكنيسة في حوالي الساعة الخامسة والنصف مساءًا في السابع من الشهر الجاري.

ظهرت سيارته من طراز "أودي" في بعض كاميرات المراقبة بمنطقة "ميفوق القطارة" تلاحقه سيارة طراز "هيونداي" بيضاء اللون وعند اقترابه من مفترق يربط بلدة لحفد بطريق ميفوق وحاقل بمنطقة الخاربة اعترضه الجناة وتم الاستيلاء على سيارته.

وفقا لشهادة زوجة القتيل فقد تلقت مكالمة في نفس التوقيت من أحد المعارف أخبرها أن هناك من اعترض طريق زوجها في الخاربة.

خلال هذا التوقيت (17:52) كان باسكال يتحدث صوتيا لرفيقه على تطبيق واتساب في مكالمة استمرت لربع ساعة سمع خلالها رفيقه بداية اعتراض الجناة لسيارة باسكال سليمان ويقول في النهاية "لا تقتلوني".

بحسب اعترافات المتهمين فقد اخرجوا مسدسات وضربوه بأعقابها ووضعوه في صندوق السيارة

سيارة الجناة

توجهت السيارتان بعد ذلك نحو بلدة جرد البترون ومنها الى شكا ثم القلمون ثم الى طرابلس

حيث ترجل أحد الجناة وأخذ السيارة البيضاء وذهب إلى منطقة بالقرب من ميناء طرابلس.

قالت مخابرات الجيش إنها عثرت في طرابلس على السيارة التي استخدمت من قبل الخاطفين. كما أظهرتها كاميرات المراقبة وكشفت التحقيقات الأولية أن اللوحة التي استخدمت على السيارة أجنبية، بينما السيّارة في الأصل مسروقة منذ نيسان (أبريل) الماضي.

وبالتحقق من لوحة السيارة والمعلومات المتداولة تبين لبي بي سي أن هذه السيارة كان قد تم استأجرها منذ ثلاثة أشهر، من قبل شخص يقطن في منطقة الرابية وتم سرقتها من أمام منزله بتاريخ الثاني من إبريل الماضي، وذلك بحسب بلاغ صاحب السيارة في مركز شرطة انطلياس القريب من منطقة الرابية التي تبعد عن بيروت مسافة 13 كم.

السيارة حملت لوحة تعود بالفعل لدولة أجنبية وهي مدينة Kiel الألمانية.

الحصول على مثل هذه اللوحات ليس صعبا، بل يمكن شراؤها ببضع دولارات من موقع ايباي

سيارة باسكال

انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن سيارة الضحية لم تسرق ولم تدخل الأراضي السورية

فيما أعلنت مخابرات الجيش اللبناني أنه تسلم سيارة باسكال سليمان، بعدما كان نقلها الخاطفون إلى سوريا. وانتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تأكدنا من أنه فيديو جديد لسيارة يتم إدخالها للبنان على شاحنة نقل تشبه سيارة الضحية التي ظهرت في كاميرات المراقبة قبل الحادث.

تتطابق مواصفات السيارة في الفيديو مع السيارة التي ظهرت في كاميرات المراقبة قبل الحادث يقودها باسكال سليمان، ولكن بسبب عدم وضوح الفيديو يصعب الجزم أنها نفس السيارة. كما انتشر عدد من الصور للسيارة التي تم استعادتها على وسائل الإعلام اللبنانية ظهر في إحداها أن السيارة تحمل نفس لوحة أرقام سيارة الضحية.

وتتطابق مواصفات خلفية السيارة الظاهرة في الفيديو والصور مع خلفية سيارة من طراز Audi Q7 وهي نفس نوع سيارة القتيل.

سيارة باسكال قبل الحادث وأخرى تم استعادتها قبل الحادث
social media

طريق البقاع أم الطريق الشمالي؟

بعض الأنباء تداولت أن الجناة خرجوا من لبنان للأراضي السورية عبر جرماش شمالي الهرمل.

فيما زعمت بعض الروايات أن الجناة توجهوا من طرابلس إلى حاجز دير عمار الحدودي.

ولكن بحسب أقوال الموقوفين فأنهم تحركوا من طرابلس حيث اكتشفوا إن وفاة الضحية أصبح لا محال، وانتقلوا إلى منطقة عكار ثم إلى منطقة القصر بقضاء الهرمل وسلموا السيارة لمجموعة أخرى لتقوم بتوصيلها داخل سوريا.

وبعد عبور الحدود السورية توجهوا إلى قرية "أبو حوري" بمنطقة القصير حيث ألقوا جثة القتيل ومنها توجهوا إلى جرماش بمنطقة زيتا السورية.

من المعروف إن قرية زيتا أغلب سكانها من اللبنانيين رغم أنها تقع ضمن الحدود السورية.

ولكن لا يوجد أي دليل حتى الأن على أي من المنطقتين الحدوديتين خرجت منها السيارة وفي داخلها جثة باسكال سليمان.

ويبقى السؤال كيف تمكن الجناة من إجتياز جميع الحواجز بين لبنان وسوريا برفقة جثة، خاصة أن الجيش اللبناني عزز دورياته على الحدود اللبنانية السورية في سبتمبر العام الماضي، وعمل على إقفال عدد من طرقات التهريب بالسواتر الترابية من ضمنها جرماش شمالي الهرمل لمنع دخول السوريين باتجاه الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية.

الطب الشرعي

أعترف الجناة بإنهم ضربوا الضحية بأعقاب المسدسات على رأسه ووجهه حتى يتوقف عن مقاومتهم، ومن ثم وضعوه في صندوق سيارته، وفي الطريق اختفى صوته.

تم معاينة جثة باسكال سليمان من قبل ثلاثة أطباء شرعيين على الأقل، أحدهم في مستشفى حمص بسوريا وذلك بمجرد العثور عليه ونقله للمستشفى في الثامن من نيسان (أبريل). وقال التقرير إن الوفاة حدثت قبل ٢٤ ساعة بسبب إصابة الرأس بآلة حادة.

بعد عودة الجثمان إلى لبنان اليوم التالي 9 نيسان (أبريل) عاين الجثة طبيبان آخران وحددا توقيت الوفاة قبل 36 ساعة وأيضا بسبب إصابة الرأس بآلة حادة.

يتطابق ذلك مع إفادات الجناة الذين اعترفوا بأنهم ضربوه بأعقاب المسدسات على رأسه ووجهه حتى يتوقف عن مقاومتهم، ومن ثمّ وضعوه في صندوق سيارته ودخلوا إلى سوريا وأنهم خلال الطريق توقف صوت باسكال تماما فاكتشفوا إنه فارق الحياة. كما أن الجثة تم إلقاؤها ليل يوم الحادث في حوالي الساعة العاشرة مساءا بعد دخولهم الأراضي السورية.

مما يعني أن الوفاة لم تحدث داخل سوريا لأنه بحسب الأطباء الشرعيين سيكون وقت الوفاة أقل من الذي ورد في التقارير.

المتورطون

قام أحد المطلوبين للقضاء اللبناني، الصادرة بحقه مئات مذكرات التوقيف، والمقيم في قرية زيتا الموجودة بين الحدود اللبنانية والسورية، ويدعى أحمد نون، بالتنسيق مع السلطات السورية، وقدم لهم معلومات تفيد بأن العملية نفذت بناءًا على أوامر رئيس عصابة لسرقة السيارات موجود في سوريا ويدعى ز.ق. افادات السجلات الأمنية أن هذا الشخص تم توقيفه عام 2019 بتهمة تكوين عصابة لسرقة سيارات مع أحمد نون.

ويذكر أن أصل أحمد نون التي تقول السلطات اللبنانية إنه يتزعم عصابة لسرقة السيارات يعود لمنطقة الهرمل اللبنانية، التي ذكرها الموقفون خلال اعترافاتهم وقالوا إنهم سلموا فيها السيارة لنقلها إلى سوريا.

كما أن من بين المتهمين أيضا ثلاثة من السوريين كان قد تم توقيفهم بتهم متعلقة بسرقة السيارات عام 2019 و2023.

وتستمر السلطات اللبنانية في التحقيقات لمعرفة ما الدافع وراء مقتل باسكال سليمان ولكن أي كان الدافع لا يمكن إنكار أنه احدث جدلا كبيرا في المجتمع اللبناني.