عبد الرحمن الراشد

جورج ميتشل هو مبعوث الرئيس باراك أوباما المتخصص في موضوع واحد هو حل قضية النزاع العربي الإسرائيلي. وقد سبق له أن طار في نفس الممرات الجوية، لنفس الهدف من قبل، وبالتالي لن يحتاج إلى آذانه بقدر ما يحتاج إلى لسانه، وأن يجد من يصغي إليه في المنطقة العربية. وقد عرفت ميتشل قبل نحو عشر سنوات حيث التقيت به مرارا، ومع أنه رجل قليل التعليق فهو يتميز بأنه متخصص في إدارة الخلافات حيث جاء من موقع مليء بالجدل والخلافات السياسية، حيث كان رئيسا للأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ.

هل اختار أوباما ميتشل لأنه من أصل عربي لبناني حتى يتجاوز العقدة النفسية عند غالبية العرب المتشككين دائما في النوايا الأميركية؟ جزئيا نعم، لكن دوره أهم من ذلك، فالانطباعات عادة لا تدوم طويلا، بل تصلح فقط بطاقة دخول أولية إلى المجالس العربية. اختاره لأنه يعرف تفاصيل النزاع، ويعرف أطرافه، ويدري نفسياتهم، وإلى حد كبير يعرف حساباتهم. سيتبقى عليه تقديم مشروع حل للنزاع العربي الإسرائيلي يحظى بموافقة الأطراف الرئيسية. فما هي الحلول المحتملة؟

الأول هو مشروع السلام العربي الذي يتميز بأن أكثر من خمسين دولة عربية وقعت عليه والتزمت مسبقا بتنفيذه إن صار هو الحل المختار. عودة كل الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مقابل سلام واعتراف بإسرائيل.

الثاني، الحل الفردي، سلام سوري إسرائيلي مبني على مشروع رابين ووديعته، وسلام فلسطيني إسرائيلي مبني على مشروع باراك ـ عرفات. والحلان ينهيان النزاع ويعيدان الأراضي ويقيمان الدولة الفلسطينية لكنهما أقل طموحا ولا يلزمان الدول العربية خارج الدائرة باعتراف أو اتفاقيات جماعية حيال إسرائيل.

الثالث، طرح إسرائيلي بإعادة الضفة الغربية إلى الأردن، وغزة إلى سيادة مصر وعقد سلام منفرد مع سورية، من دون الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية.

وفي كل مشروع تفاصيل مختلف عليها حول قضايا اللاجئين والقدس والمياه والسيادة والأمن والتنازلات العسكرية والدور الخارجي الأممي والضمانات الدولية. وبالتالي فإن أي مكلف بالعمل كمبعوث للرئيس أوباما، كما هو الحال مع ميتشل، سيحتاج إلى الكثير من الاسبرين وطول البال، وسيواجه تقريبا نفس الأوضاع السابقة، أي الصراعات الجانبية التي هي في الواقع أكثر تأثيرا وتخريبا على مجمل الحل المأمول. هناك دول تريد أن تكون طرفا في الحركة ودول تريد أن تفرض نفسها طرفا في الحل ودول لها مطالب لا علاقة لها بالنزاع نفسه، مثل إيران، ستفرض أجندتها أو ستخرب المشروع. هذا هو واقع المنطقة المؤلم الذي لم يتغير كثيرا وإن تبدلت الأنظمة أو الشعارات. صدام حسين في السبعينات تزعم الحملة لعزل مصر وأسس محورا معاديا للقاهرة ردا على كامب ديفيد والسبب لا علاقة له فعلا بالقضية الفلسطينية بل بلعبة المحاور حينها. سقط صدام وورث الإيرانيون الدور نفسه ويستخدمون تقريبا الأعذار نفسها.

لن تكون مهمة ميتشل سهلة رغم أن القضية باتت أقرب إلى الحل برضا وقناعة الأطراف المعنية، السورية والفلسطينية تحديدا.