خالد القشطيني

أشرت في مقالتي السابقة إلى ما يواجهه الشاب المسلم من صعوبات في الوقوع في هوى يهودية. أكثر من ذلك صعوبةً ما يواجهه اليهودي في حب امرأة مسلمة. وكان ذلك مصيبة الموسيقار صالح الكويتي. وهو شخصية معروفة في عالم الطرب العراقي، بل ولعله يُعتبر واضع أسس الغناء العراقي الحديث. كان ممن لحّن لهن المطربة زكية جورج. من المعتاد في دنيا الطرب أن تحصل علاقة حب بين الملحن أو المؤلف والمغنية. وهو ما حصل لصالح الكويتي في الثلاثينات. بيد أن المشكلة هي أن زكية جورج لم تكن نصرانية كما يوحي اسمها. كانت مسلمة من حلب قصدت بغداد لتكسب لقمة عيش. أدركت فورا أن اسمها فاطمة لن يسمح لها بأن تظهر على الشانو وترقص وتغني باسم فاطمة الزهراء. فغيرته إلى زكية جورج وتظاهرت بأنها مسيحية. التظاهر بغير هويتك شيء مألوف في العراق. انظروا إلى كل هؤلاء الذين تولوا المسؤولية الآن وفي جيوبهم باسبورتات بريطانية.

تطورت العلاقة العاطفية بينهما حتى حل شهر رمضان المبارك عندما أغلقت البلدية كل الملاهي والحانات في بغداد احتراما للشهر المجيد. لا بأس بأن يفسق العراقيون 11 شهرا ويصوموا عن الفسق لشهر واحد. بيد أن ذلك لم يرُق لزكية جورج في كسب رزقها. سمعَت بأن البصرة التي تعتبر الآن مركزا للتعصب كانت متساهلة في هذا الموضوع عندئذ. بقيت ملاهيها وحاناتها تعج بالزبائن. فرحلت إليها زكية وودعت حبيبها: laquo;شهر واحد وارجع لكraquo;.

لكن ذلك لم يحصل. لم ترجع إليه. وقعت هناك في حب شاب صيدلاني وآثرت البقاء معه على العودة إلى عشيقها اليهودي. استعَرَت نيران الغيرة والشوق والفراق في قلبه. عبثا حاول أن يقنعها بالعودة إلى بغداد. فتدفقت مشاعره في سلسلة من الأغاني العاطفية التي أصبحت كنزا من كنوز الغناء العراقي، تسمعونها في أي حفلة طرب عراقية:

مليان كل قلبي حجي (حكي)

المن أقولن واشتجي

ما ينفع قليبي الندم

ما ينفع عيوني البجي

ليزيد من وقع هذه الأغاني على زكية جورج، كلف غريمتها في المهنة، المطربة اليهودية الشهيرة سليمة مراد، أن تغنيها من إذاعة بغداد:

الهجر مو عادة غريبة لا ولا منك عجيبة

عرفت من هذا فعلكم كل من يسوقه حليبه

هذا مو إنصاف منك غيبتك عني تطول

الناس لو سألوني عنك شأرد اجاوبهم شأقول؟

لم تعد زكية إليه وتزوج الموسيقار ابنة عمه كما يفعل كل الفاشلين منا في حبهم. التقيت ابنه أخيرا وسألته عن ذلك فقال إنه ما زال يحمل ذلك الجرح في قلبه.