كارلا خطار

تأجّلت طاولة الحوار الى مطلع العام الجديد، ويبدو أن التأجيل كان الحلّ الوحيد ريثما تترتب الأمور وإفساحاً في المجال أمام نضوج المبادرات والاتصالات. كان القرار بيد رئيس الجمهورية وحده وقد ارتأى ذلك انطلاقاً من موقع الحَكَم بين كل اللبنانيين... والحُكم بات واضحاً وأكيداً أن قوى 14 آذار لم تخطئ في خطوتها المقاطعة للحوار.. وبالتالي فإن المنطق والحق اللذين يميّزان مقاطعة قوى 14 آذار كانا آخر الدواء.. quot;المقاطعةquot; وتبيّن أنه ناجع.


ليست المرة الأولى التي يتم فيها تأجيل طاولة الحوار في ظل استحالة قوى 8 آذار في استبعاد مناخ التعقيدات التي تكتنف هذه الأزمة، خصوصاً أن طاولة الحوار أُنشئت من أجل مناقشة السلاح غير الشرعي والإستراتيجية الدفاعية ووحدها قوى 8 آذار هي المعنية وتحديداً quot;حزب اللهquot; في تذليل عقبات هذا العنوان العريض والمتشعّب وفي تنفيذ ما آلت إليه طاولة الحوار في العام 2010.
ومن ناحية أخرى، إن عدم تنفيذ مقررات طاولة الحوار تلك، كفيل وحده في إعطاء الحق لقوى 14 آذار بالمقاطعة على أساس سياسي ووطني، في حين يبدو أن سياسة المقاطعة هي تعبير عن الرأي سلمياً بعيداً عن أي انقلاب أو تزوير للديموقراطية الشعبية. في هذا الإطار، جاء قرار رئيس الجمهورية تأجيل الحوار، فماذا ستكون الإفادة من أن تحاور قوى 8 آذار نفسها على الطاولة؟ ولماذا ستشارك قوى 14 آذار في حوار مع طرف لم ينفّذ مقررات سابقة ويكشف البلد أمنياً وسياسياً؟ علماً أن حوار قوى 8 آذار مع نفسها سيفضح العديد من القضايا الخلافية التي كان يفرض فيها quot;حزب السلاحquot; كلمته النهائية حاسماً الأمور.
فمثلاً، العودة الى الحوار لو حصلت، كانت لتشكل مهزلة بعد خطاب الأمين العام لـ quot;حزب اللهquot; السيد حسن نصر الله في ذكرى عاشوراء الاحد الماضي، حيث بدا مرة جديدة كأنه يختزل قرار السلم والحرب بمعزل عن وجود دولة وحكومة وأطراف سياسيين، حلفاء كانوا أو خصوماً، وذهب أبعد من ذلك في تحدي فريق المعارضة ودول اقليمية وعربية، ملقياً عليها تهمة quot;خدمة اسرائيلquot; لأنها تناهض سياسات ايران التوسعية التي تتدخل في شؤون دول أخرى.
من هنا، لا يعلو على صوت العقل الذي يمثّله رئيس الجمهورية أي صوت ولا ينشّز عليه أي طرف. فقوى 14 آذار الملتزمة بالمقاطعة لأسباب منطقية ومثبتة على مرّ quot;تاريخ الاغتيالاتquot; في حين أن التأجيل سيفتح الباب أمام قوى 8 آذار طيلة الفترة المقبلة، أي حتى 7 كانون الثاني من العام المقبل، على خريطة طريق جديدة تعتمد فيها استراتيجية ديموقراطية بعيدة عن الغطرسة واستخدام العنف والتهديد ولغة الاستكبار والاستعلاء. تأجيل طاولة الحوار يرمي الكرة في ملعب قوى 8 آذار، فهل ستترك مرماها مكشوفا أمام المحاور الإقليمية أم ترتد الى الداخل منزوعة السلاح؟
وفي دلالات تأجيل طاولة الحوار، اعتبر رئيس حزب quot;اللقاء المستقلquot; وعضو الأمانة العامة في قوى 14 آذار المحلل السياسي نوفل ضوّ أنه quot;إن كان هذا التأجيل للرهان على تعب قوى 14 آذار بالرجوع الى الدستور اللبناني وبالتزام سقف الدولة اللبنانية في كل التوجهات السياسية والأمنية والعسكرية في البلد، فالأكيد أن عملية التأجيل تدخل هنا إطار تضييع الوقتquot;.
وتابع: quot;أما إذا كان من شأن عملية التأجيل أن تزيد من المحاولات الهادفة الى إقناع الفريق الآخر وتحديداً quot;حزب اللهquot; بأن القرارات السياسية في لبنان تتّخذ في المؤسسات الدستورية الشرعية حصراً ومن خلال الدستور اللبناني وأن القرارات الأمنية والعسكرية تتّخذ من خلال المؤسسات الشرعية والدستورية والقانونية والأمنية والعسكرية في لبنان، فهذا يعني إمكانية العودة الى الحوار في السنة المقبلةquot;.
وشدّد ضوّ على أن quot;هذا لا يدلّ على أن قوى 14 آذار ستقبل العودة الى الحوار في السنة المقبلة، فعملية دخولنا الحوار مشروطة بشكل أساسي بعملية سقوط الحكومة وتشكيل حكومة جديدة ضمن الأطر الدستورية، والحوار سيكون تحت عنوان وحيد هو تنفيذ الدستور اللبناني لناحية موضوع السلاح.quot;


من ناحيته، أشار عضو المكتب السياسي في تيار quot;المستقبلquot; النائب السابق مصطفى علوش الى أن quot;قوى 8 آذار لن تبقى متماسكة لفترة طويلة لأن هذه القوى التي قامت على منطق quot;شكراً سورياquot; أي شكراً للنظام السوري أو سوريا الأسد، تعدّ حالياً أيامها الأخيرة في ظل اقتراب نهاية حكم بشار الأسدquot;، متسائلاً: quot;ماذا سيكون مصير quot;حزب اللهquot; بعد زوال نظام الأسد؟ وكيف ستكون علاقة الحزب بإيران؟quot;.
وتابع: quot;الكل اليوم ومنهم قوى 14 آذار المؤمنة بمنطق الدولة وquot;حزب اللهquot; المرتبط ارتباطاً كاملاً بمشروع ولاية الفقيه، الكل ينتظر الى حين انقشاع الغيوم السورية للتمكن من رؤية المرحلة المقبلة.quot; وهل يتوقّع رئيس الجمهورية أي تغيير حتى العام المقبل؟ ردّ علّوش quot;لا أعتقد، لكن رئيس الجمهورية تصرّف منطلقاً من العقلانية والموضوعية، خصوصاً أنه يؤجل مواعيد طاولة الحوار الى تواريخ قريبة وليس الى أجل غير مسمّى ليعطي إيحاء بأن الأمل موجودquot;. وختم: quot;كلنا يعلم وكذلك رئيس الجمهورية أننا لن نتمكن من إيجاد الحلول قبل أن تتغير المعادلة التي أدت الى توازن الرعب القائم في لبنان على المستوى السياسي.quot;