علي الظفيري


يفترض أن الاجتماع التشاوري الخليجي يناقش غدا مسألة الاتحاد بين السعودية والبحرين، والاتحاد هنا لا يعني الاندماج الكامل بين البلدين، ولا يعني الكونفيدرالية، ولا يعني شيئا واضحا حتى الآن بالنسبة للمراقبين، كل ما يمكن الاعتماد عليه في فهم الموضوع، الإطار العام الذي أسس له حديث الملك عبدالله في القمة الماضية، وما تضمنه من تشديد على ضرورة الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد، وهذا قطعا كلام مهم ويتناغم مع الفكرة الأساسية من قيام مجلس التعاون الخليجي، لكنه يبقى إشارة عامة وإطارا واسعا للفكرة، ومن بعده تأتي التفاصيل، وكلنا يعلم أين تكمن laquo;الشياطينraquo; دائما.
مسألة الاتحاد بين البحرين والسعودية هي المطروحة فقط في اللقاء، وليس أي اتحاد آخر كما أفهم، وبالتالي نستطيع القول إن الفكرة جاءت لمعالجة مشكلة النظام في البحرين، ومساعدته على الخروج من المأزق الذي يعيشه بعد احتجاجات العام الماضي، ولإعطاء شرعية كاملة للدور السعودي هناك، أي أن الفكرة لمعالجة مشكلة يعاني منها الطرفان، وهذا ليس أمرا سلبيا بحد ذاته، الأفكار laquo;الاتحاديةraquo; تأتي لمعالجة المشاكل التي يعاني منها المتحدون بالأساس، ومن الواجب علينا كداعمين تقليديين لفكرة الاتحاد الخليجي والعربي أن نبحث في نجاح الفكرة وتحقيقها لأهدافها.
هل ستنتهي مشاكل النظام في البحرين مع المحتجين ومطالباتهم بعد الاتحاد؟ وكيف؟ هذه الأسئلة ضرورية جدا في بحث المسألة، وبدون الإجابة عليها لا تكون هناك أهمية لفكرة الاتحاد، وأرجو أن لا نكرر ما فعلناه المرة الأولى مع الأردن والمغرب! وحده الاندماج الكامل بين البلدين وإلغاء النظام القائم في البحرين يجعل من الأزمة العالقة هناك أزمة سعودية داخلية، ويلقي كرة اللهب إلى ملعبنا، وبعدها تضاف القضية إلى رصيد القضايا الداخلية لدينا، وهذا لا يحل المشكلة على الإطلاق، بل يعقد منها ويُفاعل بينها وبين قضايا أخرى، وهو موضوع يطول بحثه والنقاش فيه.
السيناريو السابق غير وارد أبدا، لا تريد السعودية ذلك، ولا يريد الحكم في البحرين هذا الأمر بكل تأكيد، إذاً نحن نبحث عن صيغة تعاونية أكبر من تلك التي يوفرها مجلس التعاون، وأقل من الاندماج الكامل، وهذا يؤكد -ولا حاجة للتأكيد- أن الفكرة لحل مشكلة البحرين الداخلية، وما استوجب البحث في هذا الأمر كون التدخل السياسي والعسكري السابق لم يساعد على حل المشكلة والانتهاء منها، لا داخليا ولا إقليميا ولا دوليا، والمطلوب البحث في آلية ما تفضي إلى القضاء التام على المشكلة وإعادة الاستقرار للبلاد، وهو ما لا تؤدي له الأفكار المطروحة في تقديري، بل على العكس من ذلك، يمكن أن تأخذنا القرارات المتسرعة إلى ما لا تحمد عقباه.
هناك حاجة لإعطاء الأكثرية الشيعية في البحرين حجما أقل عبر الاتحاد مع السعودية، وهناك حاجة أيضا لجعل الوضع في البحرين مسألة سعودية بالكامل، وفي ظل عدم رضا المعارضة في البحرين عن أي تقارب مع السعودية يؤدي إلى تقزيم مطالباتها، واحتمالية تفاعل المسألة الشيعية في البحرين مع مثيلتها الكامنة في المنطقة الشرقية، قد يقابلنا تعقيد أكبر في هذه القضية، ولن تصل فكرة الاتحاد laquo;المطروحةraquo; إلى الهدف المنشود، بل العكس هو الاحتمال الأرجح هنا في ظل الظروف القائمة، وستجد السعودية نفسها غارقة بشكل أكبر في المستنقع الطائفي.
قبل أسبوعين كان للأمير سعود الفيصل إشارة مهمة خلال منتدى الشباب الخليجي؛ حيث قال إن التنسيق والتعاون بين الدول الخليجية قد لا يكون كافيا، ودعا إلى laquo;صيغة اتحادية مقبولةraquo;، وأشار إلى أن تجارب الأزمات والتحديات السابقة برهنت للجميع حقيقة صعوبة التعامل الفردي من قبل دول المجلس مع تلك الأزمات، وهذا تشخيص دقيق مئة بالمئة، وتجربة غزو الكويت تؤكد أن الدول الصغيرة التي تتفرد بقراراتها تلجأ للدولة الكبرى في الأزمات، وما زلت أذكر الخلاف السعودي البحريني في عام 2004 حول عقد الاتفاقيات الاقتصادية بشكل منفرد مع الولايات المتحدة، يومها كانت المنامة مصرة على استقلاليتها في الموقف عن السعودية، وهي اليوم تلجأ للرياض للخروج من أزمتها.
أنا متفق مع الأمير في التشخيص، ومتفق تماما في كون الحالة التي عليها دول الخليج لا تسر أحدا، والاتفاق يشمل ضرورة الوحدة الكاملة في السياسات الدفاعية والخارجية، ولكن علينا التذكير بأن الصيغة القانونية الحالية لمجلس التعاون توفر كل شيء، وما سيتم بحثه -دون الاندماج- لا يضيف الكثير، والتجاوز الدائم لشرط النجاح الوحيد لأي فكرة وحدوية والمتمثل بالإصلاح السياسي لا يحقق فائدة على الإطلاق. إن الإصلاح الداخلي الجدي في كل وحدة على حدة، وتعميم مبدأ المشاركة السياسية وإعطاء الحقوق كاملة، سيعطي دفعة كبيرة لفكرة الوحدة والتعاون، ويجعل من هذه البلاد الخليجية منيعة وقوية وغنية بشكل حقيقي.