باريس

مسارات quot;الربيع العربيquot; بعد التطورات الأخيرة في المشهد المصري، وموقع فرنسا من أوروبا ودورها في حل الأزمة، وتضارب التصريحات حول سقوط النظام السوري، ثم فرصة هولاند لاستكمال الإصلاح الاقتصادي... قضايا نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الفرنسية.

quot;الربيع العربيquot; إلى أين؟

سؤال طرحه المفكر الإسلامي طارق رمضان في مقال له نشرته صحيفة quot;لوموندquot; يوم الجمعة الماضي، وفيه يستعرض المحطات الرئيسية لما بات يعرف في الإعلام والأدبيات السياسية بـquot;الربيع العربيquot;، بالتركيز على الوضع المصري بالنظر إلى التطورات والأحداث المتلاحقة التي يحفل بها المشهد السياسي هناك. ويرجع الكاتب إلى موقفه الأولي من الثورات العربية، وإلى الانتفاضة المصرية التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير 2011 لتنتهي بإسقاط مبارك، وقتها حذّر quot;رمضانquot; من الانجرار الأعمى وراء أجواء التفاؤل التي عمّت مصرَ والمنطقة، داعياً إلى وقفة تأملية حذرة تقيِّم ما جرى وتعيد قراءته في ضوء التحديات الاقتصادية والاجتماعية الجسيمة في مصر. لكن تلك الدعوات لم تلقَ الانتباه اللازم، بل تعرض الكاتب لانتقادات لاذعة واتهامات بأنه لا يثق في إمكانات الشعوب المنتفضة وقدرتها على رسم مستقبلها بأيديها، هذا المستقبل، يقول الكاتب، على الأقل في الحالة المصرية، ظل طيلة الفترة السابقة رهين القوة الوحيدة التي تملك السلطات الفعلية متمثلة في الجيش، فقد حرص المجلس العسكري على الاحتفاظ بالسلطة وعدم التفريط فيها، وفي اللحظة التي شعر فيها الجيش بقوة quot;الإخوانquot; وتخلخل التفاهمات السابقة، أخرج للعلن ما كان يحاك خلف الكواليس فألغى من خلال المحكمة الدستورية quot;مجلسَ الشعبquot;، وقلّص اختصاصات الرئيس! وهذا ما يدفع الكاتب للتساؤل عن الفائدة من الانتخابات الرئاسية، ما دامت السلطة الحقيقة تبقى بيد الجيش، وما دام المجلس العسكري لا يقتصر على الرغبة في حماية قلعته العسكرية، بل أيضاً صيانة مصالحه الاقتصادية الكبيرة في مصر. ومن ذلك يخلص الكاتب إلى أن المراوحة في المكان ظلت السمة الأساسية للثورة المصرية التي ما زالت مفاتيحها في يد الجيش، وإلى أن التطور الإيجابي الأهم كان في إحداث ثورة فكرية طالت الذهنية المصرية بإسقاط الحاجز النفسي وإعادة الثقة في قدرة الإنسان على الفعل السياسي.

أوروبا ولحظة الاتحاد

كتب وزير الخارجية الفرنسي السابق، quot;دومينيك دوفيلبانquot;، مقالاً يوم الأربعاء الماضي على صفحات quot;ليبراسيونquot;، يتطرق فيه إلى الوضع الأوروبي على خلفية اجتماع القمة لقادتها في بروكسل، والتحديات الاقتصادية المزمنة التي تعصف بمستقبلها... متسائلاً حول موقع فرنسا من الاتحاد الأوروبي والإخفاقات التي اعترضت مسيرة المشروع الأوروبي الموحد. ويرى دوفيلبان أن فرنسا كانت دائماً تسير في اتجاهين، تارة تلعب دور المتحفظ على بعض المشاريع والقرارات وتدعو إلى مزيد من التفكير والتأني، وتارة أخرى كانت هي المقترحة والمبادرة تحركها في ذلك مصالحها الخاصة من جهة، ورؤيتها السياسة للمشروع الأوروبي من جهة أخرى، لذا وفي الوقت الذي ساندت فيه فرنسا تشكيل المؤسسات الرئيسية للاتحاد الأوروبي وكانت وراء المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي وغيرها، بالإضافة إلى المصادقة على معاهدة quot;ماستريختquot; التي فتحت الحدود أمام مواطني الدول الأوروبية... إلا أنها أيضاً اعترضت على أفكار أخرى مثل الدستور الأوروبي الموحد الذي سقط في استفتاء عامٍّ خلال 2005، ثم التحفظ على إنشاء وحدة دفاعية. لكن الكاتب ينتقل بنا أيضاً إلى سرد بعض مظاهر الإخفاق في المسيرة الأوروبية والموزعة على عدد من الجوانب، مثل الجانب المنهجي الذي يفسره وزير الخارجية السابق بأنه تركيز على المفاوضات والعلاقات بين الحكومات الأوروبية والسلطات الوطنية وتهميش المؤسسات الأوروبية التي ظلت صامتة بشأن العديد من القضايا لتتحول إلى ما يشبه المؤسسات الجوفاء. وهناك أيضاً الفشل على صعيد الرؤية الاستراتيجية الموحدة من خلال التضارب والتخبط الذي تعرفه السياسات الأوروبية بين المبادئ التي تعلن عنها ثم تنتهكها بسرعة، وبين التأكيد على عدم تدخل البنك الأوروبي المركزي في الأزمة، ثم الدعوة بعد ذلك إلى سندات أوروبية. وأخيراً يرصد الكاتب الجانب الأيديولوجي الذي يفسر جزءاً من التعثر الأوروبي، لا سيما في الجدل الدائر حالياً بين دعاة التقشف من أجل التقشف، وبين أنصار النمو، ليخلص إلى ضرورة استغلال الأزمة الحالية في أوروبا لتعميق المشروع الديجولي الداعي إلى وحدة سياسية أوروبية باعتبارها الأولوية التي تسبق كل ما عداها.

احتمالات السقوط

في تقرير نشرته صحيفة quot;لو فيجاروquot; يوم الأربعاء الماضي، تحدث الصحفي quot;جورج مالبيرنوquot; عن التصريحات المتضاربة حول احتمال سقوط نظام الأسد وقدرته على البقاء لمدة أطول بعد مرور 16 شهراً تقريباً على اندلاع الثورة السورية. ويشير الكاتب على وجه التحديد إلى التناقض بين تصريحات السياسيين الغربيين من جهة وبين التقارير الاستخباراتية، سواء القادمة من السفارات الغربية في دمشق، أو من مصادر أخرى، ففي الوقت الذي صرح فيه، quot;جاي كارنيquot;، المتحدث باسم البيت الأبيض، يوم الأربعاء الماضي، لقلة من الصحفيين كانت ترافق أوباما في طائرته، بأن الأسد بدأ يفقد السيطرة على الأراضي السورية، أكد مسؤولون في الاستخبارات أنهم لحد اللحظة لا يرون سوى تشققات بسيطة في جدار النظام، وأن الانشقاقات التي تمت في صفوف الجيش لم تطل كبار الضباط أو الدائرة المقربة من صانع القرار، بل اقتصرت على الجنود وأصحاب الرتب المتوسطة، ما يعني حسب هؤلاء أن أيام النظام قد تمتد لفترة أطول. هذا التناقض يرصده الكاتب أيضاً في تصريحات وزير الخارجية الفرنسي السابق، quot;ألان جوبيquot;، الذي صرّح بأن أيام الأسد باتت معدودة، بينما تخلو تقارير الأجهزة الأمنية من بوادر الانهيار في النظام السوري. ولا يقتصر التضارب في التصريحات بين البقاء والسقوط على المسؤولين الغربيين، بل يشمل بعض المسؤولين الإسرائيليين الذين توقعوا سقوطاً سريعاً للنظام، مثل وزير الحرب إيهود باراك، لتطول المدة بالنظام وينجح في البقاء. ويخلص الكاتب إلى أن ما يجب الاعتداد به في حمأة التصريحات هو ما يأتي من الميدان وترصده أعين وآذان الجواسيس بعيداً عن تمنيات السياسيين.

أوروبا ولحظة هولاند

تطرق الكاتب والصحفي الفرنسي quot;فليب مابيلquot;، يوم الخميس، في صحيفة quot;لا تريبينquot;، إلى أزمة الديون الأوروبية وما تفرضه من استحقاقات على الرئيس الفرنسي، لا سيما في ظل ما يعتبره الكاتب إغفال الرأي العام الفرنسي للتحديات المنتظرة، فبينما يرفض الألمان مثلاً أي مساهمة إضافية لإنقاذ الدول المتعثرة، باعتبار ذلك يُنقص من رفاهيتهم ويحملهم أعباء كثيرة، يبدو الفرنسيون من جانبهم غير مهتمين، علماً بأنهم أيضاً سيساهمون في تحمل الأعباء وضمان الدول الغارقة في الديون. فما السبب في ذلك؟ يجيب الكاتب أن هذا الاختلاف في الرؤية بين الفرنسيين والألمان يرجع إلى عوامل ثقافية وأخرى مرتبطة بالتجربة التاريخية، فالألمان لم ينسوا تجربة الارتفاع الصاروخي للأسعار والتضخم المنفلت من السيطرة الذي اكتووا به في مراحل من تاريخهم جعلت المارك الألماني لا يساوي شيئاً، فيما الفرنسيون من جهتهم ينتمون إلى جماعة دول أوروبا اللاتينية التي تميل إلى التساهل مع النفقات، وأحياناً اللجوء إلى خفض قيمة العملة لتحسين الأوضاع. غير أن الكاتب يرى بأن اللحظة الحالية تفرض مصارحة الفرنسيين، وهي مهمة يتعين على الرئيس المنتخب القيام بها وأن يوضح لعموم الفرنسيين أن اللجوء إلى الحيل القديمة لمنع التقشف والتحايل عليه ورفع شعار النمو، لن يفيد في شيء، وأنه لا مناص من القيام بإصلاحات جوهرية ستفرض في العمق، كما تقترح ذلك ألمانيا، نوعاً من الوحدة السياسية تنتقل بموجبها بعض الصلاحيات الوطنية إلى بروكسل لضمان التزام أكبر للدول بالانضباط المالي وترشيد الإنفاق.

إعداد: زهير الكساب