سميح صعب

لم يسبق للعرب في التاريخ الحديث ان سخروا هذا القدر من الجهود لاي قضية من القضايا التي واجهتهم كما يفعلون في سوريا. وهم لو فعلوا من اجل فلسطين نصف ما يفعلونه اليوم لتقويض سوريا نظاماً ودولة، لكانت الدولة الفلسطينية أبصرت النور منذ زمن ولكان وجه المنطقة تغير دونما حاجة الى ما يسمى quot;الربيع العربيquot; الذي تحول ربيعاً يقطر دماً.
يكاد يكون من المسلم به ان الدول العربية التي تشهد اضطرابات في حاجة الى اصلاحات نتيجة الخلل الذي تعانيه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، إنما التساؤل هو عن الرابط بين الدعوة الى الاصلاح والتدمير وعن الرابط بين الاصلاح وتحويل الدول المستهدفة جبهات للجهاديين لا شيء يضمن عدم انزلاقها الى الافغنة والصوملة مع ما يعني ذلك من اقتتال طائفي وعرقي يستمر سنوات وسنوات.
وفي الحالة السورية ينذر الزلزال الجيوسياسي الذي تشهده البلاد بتحولها مرتعاً لحروب بالوكالة ومقصداً لـquot;القاعدةquot; والتنظيمات الرديفة لها. ومن يعتقد غير ذلك واهم، وكل الكلام الاميركي عن ان غالبية السوريين ترفض وجود هذه التنظيمات، لا يغير حقيقة كون quot;القاعدةquot; عندما دخلت العراق بعد الغزو الاميركي عام 2003 لم تستأذن لا العراقيين ولا الاميركيين. ولن يكون الامر استثناء بالنسبة الى سوريا.
والنفخ في النار السورية سيوصل حكماً الى نتيجة مشابهة أياً يكن الطرف الذي تعدّه الادارة الاميركية لحكم سوريا. والعرب ايضاً واهمون اذا اعتقدوا ان اسقاط الرئيس بشار الاسد بأي ثمن سيخدم مصالحهم العليا على المدى الطويل. ولا يسأل العرب الآن عن الكلفة المادية من اجل اطاحة نظام باتوا يرون فيه خصماً وجودياً يسخرون كل امكاناتهم ومقدراتهم من اجل اطاحته. وفي الوقت عينه العرب انفسهم عاجزون عن الحصول لفلسطين على مقعد دولة غير كاملة العضوية في الامم المتحدة.
ومن التحذير الذي أطلقه العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين من ان الازمة السورية مرشحة للاستمرار عقوداً وان مخاطر تفتيت سوريا دويلات قائم، يتبين حجم ما ينتظر المنطقة بكاملها وليس سوريا وحدها من سيناريوات كئيبة.
وجزء كبير من هذه الحال مسؤول عنه العرب انفسهم الذين عجزوا عن ابتكار حلول غير عسكرية للتعامل مع الازمة السورية. والى العرب ليست تركيا التي تغرق تدريجاً في المستنقع السوري افضل حالاً من العرب. أما الولايات المتحدة فهي أبقت نفسها حتى الان خارج التورط المباشر، فيما كل تركيزها ينصب على ثابتتين: ضمان استمرار تدفق النفط من الخليج وضمان امن اسرائيل.