سعود البلوي

لا أحد يتصور عالماً عربياً من دون علاقة قوية بين مصر والسعودية، فكلاهما عينان في رأس واحد، وسياج أمان أمام دعاوى (التفكيك) ومحاولات إثارة الزوابع.
سبق أن أوضحتْ المملكة موقفها الصارم الداعم لمصر بعد تدخّل القوات المسلحة المصرية لعزل الرئيس (السابق) محمد مرسي؛ استجابة لإرادة ملايين المصريين الذين خرجوا مطالبين إياه بالتنحي والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، بالطريقة ذاتها التي خرج بها ملايين المصريين مطالبين الرئيس (السابق) حسني مبارك بالتنحي، فالتزمت القوات المسلحة المصرية بإرادة الشعب المصري في كلتا الحالتين.
صحيحٌ أن حالة (العزل) الأولى جاءت بعد ثلاثة عقود من وصول الرئيس مبارك إلى كرسي الرئاسة كونه من المؤسسة العسكرية، وأن حالة (العزل) الثانية جاءت بعد عام واحد من وصول الرئيس مرسي عبر انتخابات جعلت الشعب المصري منقسماً بين مرشحَين أحلاهما مرّ، لكنهم اختاروا ما اعتبروه الأقل مرارةً، ولذا جاء الفارق بينهما ضئيلاً بنسبة 2,5٪.
وبعد فوز الرئيس محمد مرسي بالرئاسة حصل quot;الإخوانquot; على فرصة تاريخية قد لا تتكرر خلال هذا القرن، لكنهم لم يحسنوا استغلالها بعد أن أصبح رئيس الجمهورية مندوب quot;الجماعةquot; في رئاسة الجمهورية، وكان واضحاً استعجالهم للسيطرة على مقاليد الحكم الذي سعوا إليه بكل الطرق طوال ٨٥ عاماً مضت.
وقفت المملكة مع جمهورية مصر العربية في مختلف أزماتها ودعمت استقرارها، خلال فترة حكم حسني مبارك، وخلال فترة حكم المجلس العسكري، وخلال فترة حكم جماعة quot;الإخوان المسلمينquot;، وأخيراً خلال فترة حكم الرئيس الانتقالي عدلي منصور، بعد عزل القوات المسلحة للرئيس مرسي، وعلى هذا الأساس فالمملكة كانت وما زالت تدعم مصر بصرف النظر عن توجهات الحكم أو شكل الرئيس.
ولا بد من الإشارة هنا إلى بعض أسباب سقوط حكم quot;الإخوانquot; في مصر، والسبب الأول بطبيعة الحال هو ولاؤهم! فليس سهلاً على جماعة سياسية أيديولوجية كالإخوان أن يكون ولاؤها للوطن (مصر)، بعد أن اعتادوا في أدبياتهم السياسية أن الولاء للجماعة -والجماعة فقط- وهذا ما أكده مرشد الجماعة محمد بديع عبدالمجيد ذات مرة في مقطع مصور بقوله quot;طز في مصرquot;! ليكون هذا الولاء هو البلاء الرئيس في سقوطهم، أو لنقل إسقاطهم!
فالجماعة رأت أن حكم مصر ليس سوى مرحلة أو خطوة في الطريق لحكم العالم، أو هكذا كان الحلم، عبر أيديولوجيا مستمدة من فكرة quot;الخلافةquot; التي تمت إعادة إنتاجها بطريقة تخدم الجماعة فقط، وهي جزء رئيس في أدبياتهم السياسية.


ومن الأسباب التي عجّلت بالسقوط الإخواني، تهديد الأمن القومي المصري والعربي على السواء، منها محاولة الزج بالجيش المصري في حرب مع إثيوبيا لإشغاله على خلفية تداعيات سد النهضة، ومنح سيناء لحركة حماس والجماعات الجهادية المسلحة من أجل التوسع رغم أن المستفيد الأول من هذا هي إسرائيل، والتنازل لجماعة السودان عن quot;حلايبquot; وquot;شلاتينquot;، إلا أن أخطر محاولات تدمير مصر من قبل quot;الجماعةquot; هي محاولة الزج بالمصريين عبر أخطر جبهتين، وهما مسرحية quot;إعلان الجهادquot; على سورية من مصر، والفتنة الطائفية بين السنة والشيعة في quot;أبو سليمquot; بصعيد مصر، والموقف السلبي للرئيس المصري المعزول محمد مرسي منهما، وكأن مصر ليست بأهم من quot;الجماعةquot; ومصالحها، فسنة واحدة للإخوان في الحكم كانت مؤشراتها quot;أخونةquot; الدولة المصرية، بعد أن تمت quot;أخونةquot; أطياف من المجتمعات العربية خلال 8 عقود.
وبالإضافة إلى الأسباب السابقة أستطيع أن أضيف ثلاثة أسباب طريفة لا بد من ذكرها، أولها شخصية الرئيس مرسي نفسه، الذي أصبحت مقولاته العربية والإنجليزية باعثاً على التندر، أما السبب الثاني فهو وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود الذي حذرتُ منه، وخصصته بمقال في هذه الصفحة بعنوان quot;إساءات وزير الإعلام المصريquot;، والسبب الثالث الطريف هو وزير الثقافة علاء عبدالعزيز، الذي كان وجوده وتعاطيه مع قضايا أهم وزارة ثقافة عربية إساءة للثقافة والمثقفين، ليس المصريين فقط بل العرب أجمع، وكأن الإتيان بهذين الوزيرين لإشغال الرأي العام المصري عن أخونة بقية مؤسسات الدولة من جهة، وتدمير صناعة الثقافة وأخلاقيات الإعلام من جهة أخرى، وهنا أستغرب من هذه الجماعة التي كانت quot;ذكيةquot; خارج السلطة لكنها ليست كذلك داخل السلطة!
أما بالنسبة للموقف السعودي الذي أوقف quot;الاستقطابquot; والتدخل الخارجي بمصر، فكان كلمة فصل ونقطة نهاية على السطر، في ظل دعم مصر اقتصادياً وسياسياً، ولكن لماذا حصل ذلك؟
إن القضية بالنسبة لمصر والسعودية وبقية دول العالم العربي قضية وجود ومصير دولة ومجتمع، فبعد هذه التهديدات نستنتج أن أمن العالم العربي محوره السعودية ومصر، فهما العمق التاريخي والسياسي والأمني لبقية الدول العربية، ودول الخليج جزء منها، مهما حاول البعض صنع الحساسيات بينها.