توفيق المديني

عاد الإرهاب ليضرب من جديد في تونس، وهذه المرّة، حصل في معتدمية قبلاط الريفية التابعة لمحافظة باجة (شمال غربي تونس) التي تبعد مائة كيلومتر عن العاصمة،حين قامت مجموعة مسلحة بمباغتة ثلاثة عناصر من الحرس الوطني كانوا بصدد التثبت من معلومة بشأن وجود مجموعة مسلحة في منزل في المنطقة، وأطلقت النار عليهم، فقتل اثنان من قوات الحرس الوطني وجرح ثالث خلال المواجهة المسلحة. وتأتي هذه العملية بعد يوم من عملية مشابهة في محافظة جندوبة (شمال غربي البلاد) المحاذية للجزائر، حيث أطلق مسلحون النار على مركز لقوات الحرس الوطني الحدودي مع الجزائر، كما هاجم عدد آخر من المسلحين المركز الحدودي quot;فج حسينquot; التابع لمدينة quot;غار الدماءquot; الحدودية من المحافظة نفسها وتبادلوا إطلاق النار مع العناصر الأمنية هناك قبل أن يتحصنوا بالفرار.

وفي ظل تنامي الإرهاب في تونس، واستمرار تدفق الأسلحة، وغياب الرقابة الصارمة من جانب القوى الأمنية التي أتمر بأوامر الحكومة التي يقودها القيادي من حركة النهضة السيد علي العريض، وجهت الجزائر رسالة واضحة إلى الحكومة التونسية، تفيد أن عملية تهريب كبرى للسلاح يتم التحضير لها انطلاقا من الأراضي الليبية باتجاه الجزائر أو تونس، الأمر الذي جعلت الجيش الجزائري يستنفر قواته على الحدود مع ليبيا وتونس، مستخدما الطائرات العسكرية لتوسيع مجال المراقبة ولمنع أي محاولة اختراق لجماعات إرهابية قد تستغل الأوضاع لتنفيذ مخططها، لاسيَّما أن محققين من تونس والجزائر تمكنوا من جمع أدلة كثيرة تدين quot; كتيبة الملثمين والموقعين بالدم quot;التي يقودها مختار بالمختار القيادي السابق في تنظيم quot;القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي quot;، الذي أشرف على تدريب مقاتلين سلفيين جهاديين من تونس وإرسالهم إلى الأراضي التونسية.

ويعود السؤال القديم الجديد إلى الواجهة في المشهد السياسي التونسي، هل ستنتصر الديمقراطية على الإرهاب في بلد مفجر ثورات الربيع العربي؟

هذا الأمر مرهن بنجاح الحوار الوطني الجاري في تحقيق انتظارات الشعب التونسي، لاسيَّما إسقاط حكومة الترويكا الحالية التي تقودها حركة النهضة المتواطئة والمتخاذلة في محاربة الإرهاب، لأن صقور النهضة متحالفون مع تنظيم quot;أنصار الشريعةquot;و التيارات السلفية الأخرى، لأسباب عديدة، أهمها: المرجعية الإسلامية الأصولية القبطية،و اعتبار المعارضة اليسارية والقومية والليبرالية عدوة،و العمل على تحطيم الدولة التونسية الحديثة ما بعد الاستقلال،لأن هذه القوى الإسلامية سواء المعتدلة منها أو الأصولية والتكفيرية جميعها، لا تؤمن ببناء الدولة الديمقراطية التعددية.

فمحاربة الإرهاب في تونس، تتطلب انتهاج طريق وطنية تقوم على تشكيل حكومة كفاءات وطنية ذات إستراتيجية وطنية واضحة، تحترم سيادة المبادئ العامة والشاملة، كالديمقراطية،و الحرية،و المساواة بين الجنسين،و احترام حقوق الإنسان بغض النظر عن جنسيته وديانته التي ينتمي إليها، وتعمل على إعادة بناء أجهزة أمنية تحترم قيم الجمهورية، وتقضي على الأجهزة الأمنية الموازية التي أصبحت تشكل الحصن الأمني والسياسي الذي يحمي ويتستر على الإرهاب السلفي التكفيري، وتخضع كل الجمعيات الدينية غير المرخص بها، وحتى المرخصة للمحاسبة القانونية الصارمة،لاسيَّما فيما يتعلق بمصادر تمويلها، وطبيعة أنشطتها، وتمنع أدلجة الخطاب الديني داخل المساجد، ومنع هذه الأخيرة من أن تتحول إلى فضاءات جماهيرية تخدم مصلحة حركة النهضة والتيارات السلفية التكفيرية، ووضع خطة وطنية للتنمية المستدامة للمحافظات الفقيرة، وللمناطق الشعبية في أحزمة المدن التونسية، ولاسيَّما في العاصمة، باعتبار أن الإرهاب انتشر من جراء غياب التنمية في المناطق المهمشة في المدن والأرياف.، لاسيَّما الحدودية في الشمال الغربي، وفي الوسط الغربي، وفي الجنوب التونسي.

إن محاربة الإرهاب يقتضي وجود حكومة وطنية صارمة في الذهاب بعيدا في تفعيل قانون مكافحة الإرهاب، والعمل على سيادة القانون، واحترام السلطة القضائية والحيلولة دون خضوعها للحسابات السياسية، والعمل على حماية القضاة المتعهدين بالقضايا الإرهابية وعائلاتهم، ومداهمة أوكار جميع الإرهابيين وجمع أسلحتهم من قبل الفرق المختصة بمكافحة الجريمة الإرهابية.

ولأن الحرب ضد الإرهاب أيضا.التي تخاض حصريا على الصعيد العسكري. والاستخبارات. والتجسس. والحرب السرية، وبأهداف منتقاة من الأجهزة الأمنية التونسية الجمهورية، هي بالضرورة حرب تفكيك وتصفية للبنية التنظيمية واللوجيستية لتنظيم quot;أنصار الشريعةquot;. إلا أن مناداة حركة النهضة بالديمقراطية وإقامة تحالفات مع الإرهابيين من تنظيم quot;أنصار الشريعةquot; والتيارات السلفية الأخرى، يجعل من الحكومة الحالية بادعائها الكاذب أنها تخوض الحرب ضد الإرهاب أمر فيه الكثير من التناقض ويثير السخرية، لأنها حكومة لا تتسم بالصدقية فيما تقول، وهي حكومة متواطئة مع الإرهاب.

إن البحث عن الأمن من جانب حكومة علي العرض، ودعم التيارات السلفية التكفيرية المفروضة بالعنف والتعسف على الشعب التونسي، مسألتان متناقضتان وتهيئان الأجواء لمزيد من العنف والتعسف لتصبح أكثر ملائمة لكافة أنواع التجارة غير المشروعة من جهة كتجارة الأسلحة والمخدرات وغير ذلك. وبالتالي تعمل على تغذية التطرف والإرهاب من جهة ثانية.

إن الحكومة الحالية التي تقودها حركة النهضة تتجاهل كثيرا العالم، بل إنها تعتقد أنها صاحبة فضيلة، وترفض رفضا قاطعا معالجة الأسباب التي قادت وتقود إلى مراكمة جميع أنواع الإرهاب المصدر لنا من الخارج، لاسيَّما من ليبيا التي تحولت إلى قاعدة خلفية لتجارة الإرهاب نحو بلدان شمال إفريقيا والساحل الإفريقي.

وإذا أرادت الديمقراطية أن تنتصر على الإرهاب فعلى حكومة الترويكا بلا استثناء أن تسعى إلى تطبيق المبادئ الديمقراطية على أنفسها أولا، لأن الحكومة التي يقودها علي العريض لا تحترم القانون، ولا القيم والمبادئ والديمقراطية وتستخدم المعايير المزدوجة، وتدير ظهرها للتعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الإرهاب، لاسيَّما مع الشقيقة الجزائر التي أصبحت لها خبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب.

من الناحية المنطقية والعقلية، الإرهاب التكفيري هو الظاهرة المرضية أفرزتها عقود الاستبداد التي كرستها الأنظمة التسلطية العربية، وهو يسافر من دون جواز سفر من أجل الاستقرار في الدول الفاشلة، كالصومال، والعراق، وليبيا، واليمن، والآن تونس. إنه فوق ndash; قومي، عالمي، وبنفس الدرجة مثل الشركات المتعددة الجنسية: بيبسي كولا، أو كوكا كولا..quot;.القاعدةquot; وأخواتهاquot; أنصار الشريعةquot; في تونس، وليبيا، واليمن الخ. وإذا لاقى الإرهاب بعض ا لصعوبات، فإنه يرحل، ويأخذ معه quot; مصانعه quot; إلى بلد توفر له أفضليات جديدة، أبدا مثل الشركات المتعددة الجنسيات.

الإرهاب بوصفه ظاهرة عالمية لا يمكن القضاء عليه، لكن من أجل السيطرة عليه، يجب على حركة النهضة الإسلامية أن تعي جيدا، وتعترف بضرورة بناء دولة القانون، وتقاسم السلطة مع المعارضة في هذه المرحلة الانتقالية، واحترام نمط المجتمع التونسي والمحافظة عليه، وعدم اللجوء إلى تغييره.

إذا أرادت حركة النهضة أن تبذل جهودا كبيرة من أجل أن تفهم وتتصرف بشكل أفضل حول تنامي الإرهاب، عليها أن تقوم بمراجعة نقدية لكل سياساتها وأطروحاتها الأيديولوجية، وبالأخص منها، إعادة النظر في مقاربتها لقضية بناء الدولة المدنية، وفي القلب منها دولة القانون وفصل السياسي عن الديني، وتحقيق أهداف الثورة التونسية في إقرار دستور ديمقراطي يليق بها، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعدم الانخراط في تحالفات إقليمية ودولية بقيادة الولايات المتحدة يحتل فيه الكيان الصهيوني مركز الصدارة، وصولا إلى إثبات قدرتها على فتح الطريق لبناء الدولة الديمقراطية التعددية التي تقر وتحترم وتضمن مبدأ المواطنة الحقة، ومبدأ الفصل بين السلطات بلا مواربة، ومبدأ التداول السلمي للسلطة نظرا لانعدام الديمقراطية في هذه المنطقة العربية.