علي حسن الشاطر

ما تشهده بعض البلدان العربية والإسلامية من أوضاع مأساوية وحروب وفوضى واقتتال وخراب وإرهاب في ظل معطيات ما سُمّي ب(الربيع العربي) يعكس حالة الانحدار الذي أصيبت به خير أمه أُخرجت للناس، وتدفع الشعوب العربية والإسلامية ثمنه الفادح بسبب غلو وتطرّف وتعصّب بعض أبنائها نتيجة التربية الخاطئة والتعبئة المشحونة بالكراهية والحقد المنافية لروح الدين الإسلامي الحنيف وحقيقة مبادئه العظيمة وقيمه السمحة، كدين محبة ورحمة وتسامح، تقوم دعوته على الوسطية والاعتدال، التي لا تقبل الانحراف بمسارها عن هدي الإسلام الحق؛ لأن من شأن أي انحراف منح أعداء الأمة العربية والإسلامية الذرائع والمبررات للهجمة الشرسة التي تتعرض لها الأمة، ولا تتوقف مخاطرها وتحدّياتها على حاضرها، بل على مستقبلها، ولذا تقع على عاتق علماء الدين المعتدلين والمنصفين مسؤولية كبيرة في إعادة الخطاب الإرشادي الدعوي الإسلامي إلى مساره الصحيح المجسّد لجوهر الإسلام وعظمة مبادئه وقيمه النبيلة، والتصدي لمحاولات توظيف الدين لأغراض سياسية وحزبية، وذلك عبر خطاب موحد يلم شمل الأمة ولا يفرقها، يستلهم البعد الإنساني الذي جاءت به رسالة الإسلام كرحمة للعالمين، ليُسهم في النهوض بالأمة وتجاوز ماهي فيه من التخاذل والتشرذم والضعف والهوان والاقتتال بين أبنائها، لتواصل دورها المشرّف في مسيرة الحضارة الإنسانية.

إن أولئك الشباب الذين يقترفون أعمالاً تسيء للإسلام والمسلمين، يجب أولاً قبل تحميلهم مسؤولية أفعالهم المنافية لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، بل والمسيئة له، الأخذ في الاعتبار أنهم ليسوا إلّا ضحايا لتعبئة وتربية خاطئة اعطتهم من دين السماحة والرحمة القشور دون أن تنفذ بهم إلى لبه وجوهره، وذلك لأغراض وغايات سياسية وحزبية ارتبطت بآنية ظروف الزمان والمكان وليس بأبدية ديننا الإسلامي وصلاحيته لكل زمان ومكان، مقدمين بأفعالهم الإجرامية البشعة للآخرين صورة مشوهة وممقوتة لا تمت بصلة لحقيقة الإسلام، ومعاني مفاهيمه التربوية والأخلاقية السامية التي ساد بها في أنحاء كثيرة من العالم ليضيئها بنوره الذي لم يخفت أو يخب إلّا بالقدر الذي ابتعد به المسلمون عن دعوته إلى إعمال العقل، وإغلاق باب الاجتهاد المنكفئ على الذات وخلف أسوار الماضي المنغلق، ليفقد المسلمون روح المبادرة والمواكبة، وقدرة استيعاب معطيات متغيرات الزمان وتقلبات أحواله..

وبدون شك بأن القتامة التي تقدم للعالم باسم الإسلام في صورة اختطاف أو قتل المستأمنين من الديانات الأخرى في الدول الإسلامية، وكذلك قتل أبناء وطنهم ودينهم الإسلامي، وإقلاق أمن واستقرار عامة المواطنين، وإزهاق أرواح رجال الأمن والجيش بدمٍ بارد في مجازر ووجبات يومية -كما هو حادث في اليمن والعراق ومصر وليبيا والصومال- وبأبشع الأساليب التي لا يقرها دين، ولا ترتضيه شريعة والتي تجاوزت حالة تفجير السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة التي يروح ضحيتها الأبرياء، إلى جز الرؤوس وشق البطون والصدور وأكل قلوب وأكباد البشر، والتباهي بتصوير تلك المناظر والممارسات البشعة ونشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة ليشاهدها الملايين من البشر في مختلف أنحاء العالم، كل ذلك هو في حقيقته أعمال إجرامية تُسيء للإسلام والمسلمين وتعكس الفهم المغلوط لحقيقة الدين الإسلامي الحنيف، وهي ليست أكثر من تعبير خاطئ للفهم الذي عُبئت به رؤوس من يقترفون تلك الأعمال، والتي لا تخدم الأمة بأي شكل من الأشكال، وإنما تلتقي في محصلتها مع أهداف أعدائها الذين يجدون في تلك الممارسات والأعمال بغيتهم في تحريض العالم على الإسلام والمسلمين، وتبرر هجمة العِداء والتآمر على الأمة العربية والإسلامية، وإلصاق تهمة الإرهاب بها، لتوفير أيسر السبل لتحقيق غاياتهم وأهدافهم المغلقة بشعارات الحرب على الإرهاب، ومع ذلك يبقى أولئك الشباب بأعمالهم الخرقاء والطائشة ضحايا للأفكار المتطرفة والمُغالية التي رسَّخها عن الإسلام في عقولهم دعاة وأدعياء مغالون ومتشددون اقحموا السياسة في الدين لتحقيق مصالحهم الحزبية والذاتية الأنانية، دون أن يدركوا خطورة ما يقومون به على الإسلام والمسلمين، وتكريسهم لثقافة التطرّف والغلو والعنف والإرهاب حتى اختلطت المفاهيم، فلم يعد هناك إمكانية لعقولهم للتفريق بين الحلال والحرام، وبين الصواب والخطأ، وأصبح القتل عندهم غاية لذاتها، ولا يهم إن كان الضحية مذنباً أو بريئاً، تساوى فيه المسلمون وغير المسلمين، لتنتهي عندهم فضائل وأخلاقيات الإسلام وتبقى رذائل الإرهاب الذي لا دين ولا وطن له، والذي أصبح آفة مستفحلة تُعاني منها الأمة العربية والإسلامية أكثر من غيرها، وهو ما يفرض على الدول والحكومات العربية والإسلامية أن تعمل على تشجيع ودعم قيام علماء المسلمين والمفكرين الذين يتصفون برجاحة علمهم وبالاتزان والإنصاف والاعتدال بالعمل على إعادة من ضلوا الطريق إلى جادة الصواب والحق، ومن ثم العمل في اتجاه تمثل كل أبناء الأمة لقيم الإسلام، دين التسامح والعدل والمساواة والخير والكرامة للبشرية كلها.