نادين البدير

كان لي لقاء بالأمس مع الناطقة باسم الحكومة البريطانية روزماري ديفيس. هي تعيش في دبي وتحكي الفصحى بطلاقة. حين تسمعها تتقن اللغة متباهية يزيد اشمئزازك من عرب ضائعين بين جملة فرنسية وأخرى إنكليزية وكلمة عربية.
تسعى الشقراء جاهدة لأن تكون ديبلوماسية بكل إجاباتها. إجابات العالم الغربي الذي يريد لشعوب العالم الكرامة والعزة، ويخطب ساعات وساعات عن حال العربي وحقوقه المسلوبة.
ثم يصدمك الغرب. أو يذكرك بحقيقته إن كنت نسيتها. فيقف مع أشد معارضي حقوق الإنسان. يدعمهم، يشجعهم بل ويحميهم.
أسأل ديفيس عن إيواء بريطانيا للإرهاب. أليست بريطانيا التي احتوت أعنف رموزهم.
أنسمي ذلك دعماً للإرهاب. ترد بالنفي. تنفي كل شيء حتى وجودهم على أراضيها. لا يهم ما تثبته أو تنفيه، يهم الواقع. فعدد لا يستهان به من إرهابيي القاعدة لا بد وأن تجد في سيرته محطة وقوف وسكنا في بريطانيا. مساجد بريطانيا تلقى بها خطب متطرفة إلى اليوم، ويهرب أخيراً أحد المتطرفين الملاحقين من مسجد مرتدياً العباءة والنقاب. الأمر نفسه حدث في السعودية قبل أعوام. لكن أن يحدث في لندن فذلك أمر مثير.
أبو حمزة المصري في فترة كان يصلي ويخطب بالشارع العام أمام سكون الأمن البريطاني. كله بحجة حماية حقوق الإنسان وحرية تعبيره. يحمون بعض التطرف هنا وفي غوانتانامو يخفونهم عن الأنظار.
هل من تفسير لإيواء عناصر التطرف والقاعدة والنصابين والمجرمين والفاسدين والملاحقين من أنظمتهم غير الرغبة باستخدامهم كأوراق ضغط.


يتناقض الغرب بتبجح. يدافع عن وصول الإخوان للسلطة. لا، ليس تبجحاً. فبريطانيا كانت دعمت نشأة تنظيم الإخوان من بدايته. أليس دليل ذلك موقف العالم الغربي الذي ساند وجودهم في مصر وحزن لخروجهم من السلطة.
إصرار على أن إزالة الإسلاميين نكسة معاكسة للديموقراطية. إصرار طبيعي فمعروف أن بريطانيا والغرب استخدموا الهيمنة الدينية وحتى الإرهابية في الشرق الأوسط لبسط نفوذهم وسلطتهم.
قلت لها الإسلامي لا يؤمن بحقوق المرأة ولا بالديموقراطية والخروج على الحاكم فكيف تلتقي أفكاركم. أم هي مصالحكم؟
ديفيس تقول الاخوان لا علاقة لهم بالإرهاب. والحقيقة تقول إن الغرب اعتبر حركة حماس (الاخوانية) منظمة ارهابية مدرجة على قائمة الإرهاب، التبرير هنا أن حماس تحارب اسرائيل. أما بقية الاخوان فيحاربون العرب والمسلمين لعل هذا مكمن اخلاصهم للتوجه الغربي وسبب الوقفة التاريخية للغرب دفاعا عن التنظيم.
تؤكد الناطقة أن الغرب يقف مع مطالب الشعب أيا كانت النتيجة. سألتها فإن كانت النتيجة وصول طالبان أو القاعدة ماذا ستفعلون؟
مطلب الشعب غير مهم حين يصطدم برغبة الغرب. يصبح المطلب باهتا وانقلابا وانتهاكا لسيادة الإنسان على أرضه.
الازدواجية بسبب المصلحة لا تنتهي. فقد تم الكشف عن تجسس بريطانيا على كميات هائلة من الاتصالات التي تمر عبر كابلات الألياف البصرية تحت الماء من قاعدة تنصت سرية في قبرص تحمل اسم laquo;صوندرraquo;. وتستخدم بريطانيا هذه القاعدة منذ عقود للتجسس على الحكومات الأجنبية والأفراد في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، بما في ذلك المنظمات التجارية والسفارات الأجنبية ووكالات الأمم المتحدة.
عمليات التجسس الانغلو-أميركية ليست الأولى من نوعها في هتك حريات الأفراد والحكومات ولن تكون الأخيرة. طبعا روز ماري ديفيس امتنعت عن الاجابة لأن الأمر يتعلق بالمخابرات. لكن الواضح أن انتهاك حقوق وحريات الأفراد وحتى الرؤساء الشخصية أمر لا يخجلون منه بحجة الحفاظ على أمنهم. ثم يطلون علينا مطالبين أنظمتنا بمنحنا حق التعبير وحرية الرأي والحركة وحقوق المرأة... وبقية الاسطوانة.