محمد الأشهب

عندما يصف رئيس الحكومة المغربية تحالفه مع حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقاً) بأنه لم يكن سهلاً، يكون عبدالاله بن كيران، من موقعه كزعيم لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، اختار التلويح بنهاية منعطف التحالفات الإيديولوجية، عند تشكيل الحكومات، ويصبح استبدال فريق بآخر، لا يزيد على ترتيبات إرضاء الخواطر، وليس التمسك بحرفية القناعات الإيديولوجية التي انهارت تحت معاول الانفتاح وسيطرة اقتصاد السوق والنهل من ينابيع الواقعية السياسية.

كلام رئيس الحكومة جاء في إطار تخليد الذكرى السبعين لتأسيس الحزب الشيوعي المغربي الذي أصبح اسمه laquo;التقدم والاشتراكيةraquo;، ولم يكن زعيمه الراحل علي يعتة يتصور يوماً أن هكذا مناسبة سيغيب عنها رفاق الدرب في laquo;الكتلة الديموقراطيةraquo; التي جمعت حزبه إلى الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والعمل الديموقراطي في سنوات هيمنة الخطاب المعارض، وسيحضرها زعيم إسلامي. غير أن الزعيم الشيوعي الذي كان يبدأ خطابه بالبسملة والاستشهاد بآيات بينات من الذكر الحكيم ظل يعتبر التطرف خطاً فاصلاً بين حزبه والحركات الإسلامية. وكان يعيب على حلفائه في المعارضة أنهم أضاعوا الكثير من الفرص المتاحة في اتجاه إبرام ميثاق تعاقد جديد بين القصر ومكونات الحركة الوطنية.

هل كان رئيس الحكومة يشير إلى تداعيات بعض الخلافات التي نشأت بين حزبه والتقدم والاشتراكية، على خلفية تنامي الشكوك إزاء ما وصف بالتحريض على استخدام العنف في أحداث الهجمات الانتحارية التي شهدتها الدار البيضاء العام 2003؟ أم أنه أراد تقديم انضمام الحزب الشيوعي السابق إلى حكومته، بمثابة تحول أملته تطورات الانفتاح؟ الراجح أن آخر شيء يمكن التفكير فيه كان انضمام التقدم والاشتراكية إلى حكومة يقودها الحزب الإسلامي. والحال أن بن كيران تقدم خطوتين تاركاً للحليف الجديد أن يختار الطريق قبل الرفيق.

أفضل التقديرات المتفائلة كانت ترى أن الشيوعيين المغاربة يضعون مسافة أبعد حيال الحزب الإسلامي الذي انتقدوه بلا هوادة. وما حدث عكس ذلك، فاندفعوا أكثر حماسة، لا من أجل أخذ مقاعدهم في القطار الحكومي قبل إقلاعه، بل في الدفاع عن غريمهم السابق. إلى درجة أن زعيمه وزير الإسكان نبيل بن عبد الله رأى أن احتمال إجراء انتخابات سابقة لأوانها سيعزز نفوذ الإسلاميين أكثر. وتبادل الاثنان نخب تحالف مناهض للطبيعة.

ليس الشيوعيون المغاربة وحدهم من اختاروا السير في هذا الاتجاه، لذلك فقد حذرهم رفاق الأمس في المعارضة من أن laquo;التيار المحافظraquo; داخل الحكومة قد ينقلب عليهم. ولم تلق التحذيرات ذات الخلفية السياسية آذاناً صاغية. ذلك أن laquo;التقدم والاشتراكيةraquo; تمكن من حيازة مناصب وزارية في حجم نفوذ باقي مكونات الائتلاف، مثل تجمع الأحرار والحركة الشعبية. وكانت تلك طريقة ذكية من رئيس الحكومة، لإلغاء فوارق النفوذ داخل الائتلاف، لضمان دعم الغالبية التي التحق بها تجمع الأحرار. وفيما كان يعول على أن يكون laquo;التقدم والاشتراكيةraquo; أول مغادري السفينة الحكومية، عندما تلطمها أمواج النقد وضيق أفق الإصلاحات التي عبدت الطريق نحوها، فاجأ الاستقلاليون رئيس الحكومة وعادوا إلى صف المعارضة.

ومن أجل أن يجازي الحزب الإسلامي الشيوعيين القدامى، برزت معالم تحالف جديد إبان اقتراع جزئي حظي خلالها مترشح laquo;التقدم والاشتراكيةraquo; بدعم الإسلاميين. ما قد ينسحب على رهانات الانتخابات القادمة. وفي هذه الحال سيقاس هامش التحالفات بطموح الإبقاء على شركاء الحكومة في مواجهة خصومهم في المعارضة.

هكذا فرضية تشير إلى وجود تغيير كبير في المواقف. والنخب السياسية في المغرب في طريقها لإقامة تحالفات المصالح في مقابل تحالفات المبادئ. والسياسيون يعاودون تقليب صفحات المقولة الشهيرة حول الغاية التي تبرر الوسيلة. ومن لم يغيره انهيار الحرب الباردة التي أخمدت نيران صراع الإيديولوجيات، باتت تأسره تداعيات الحراك الذي قلب الكثير من الموازين. وكما لم يجد الحزب الإسلامي غضاضة في التحالف وتجمع الأحرار الذي مده بطوق النجاة، استطاع laquo;التقدم والاشتراكيةraquo; أن يقفز على الحواجز الإيديولوجية، كي يضمن لنفسه مكاناً تحت الشمس.

المشكلة لدى laquo;التقدم والاشتراكيةraquo; أنه لم يكن يحظى بتفهم أكبر من حلفائه السابقين في المعارضة، الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، واختار طريقاً ثالثة نال عبرها جزاء الإسلاميين الذين لم يعودوا يبحثون عن موقع، بل عن تأمين ما استطاعوا حيازته في غفلة من الجميع.