تركي الدخيل

لم يكن حسني مبارك إلا بشراً. فهو ليس شراً محضاً، وليس خيراً مطلقاً!

تنازعته الظروف والسنين، حتى آل به المطاف إلى الفشل السياسي في آخر عهده، الأمر الذي سهّل تطوير المعارضة ضده، لتتحول إلى هياج في الشارع.

تسجيلات حسني مبارك الأخيرة، مهمة للغاية، فهي تخترق أحكامنا المطلقة.. الأحاديث عن الثراء الفاحش أو السرقات المليارية، لم تكن صحيحةً، الرجل مثل أمام القضاء المصري، وهو قضاء مستقل تماماً، ومن أنجح مؤسسات القضاء بالمنطقة، بسبب التأثير الفرنسي على أنماطه ونظامه، ولم تثبت ضده روايات الإثراء الملياري. وإن أراد بعضنا التأكيد على أن هناك من دفع لتبرئته، فلقد مرت محاكمته بفترات حكم، كانت تتصيد عليه الزلة، ولم يثبت شيء.

مبارك بدا عفوياً وهو يتحدث إلى الطبيب في التسجيلات، حتى بشتائمه وغضبه، وحتى بعاطفته ومحبته، كان طبيعياً إلى أقصى حد!

الزميل مشاري الذايدي، في تعليقه على التسجيلات، قال كلاماً مهماً، حين رأى أن:quot; مبارك ليس سيئا بالقدر الذي صوره به خصومه، لكنه ليس جيدا بالقدر الذي يريد أنصاره أيضا.. لنسأل، لو منحت هذه الفرصة النادرة لشخصيات متهمة في التاريخ بأبشع التهم، أو ممجدة بنياشين المديح، وكان لها فرصة أن تتحدث، وتفند، وتوضح، هل كانت صورة التاريخ التي حفظناها لتكون بهذه السوية؟!quot;.

الفكرة أن التاريخ دائماً يكتبه المتغلّب، وما لم ينبرِ صاحب الشهادة بتدوين شهادته حول أفعاله وثغراته، حول نجاحاته وإخفاقاته، حول صعوده وهبوطه، إن فعل ذلك فسينعتق، إلى حد كبير، من جور كتابة المتغلّب.

ليست القصة أن تكون بين خيارين، إما ثورياً، وإما أن تصنّف فلولياً، بل الفكرة أن نستثمر السنوات التي مضت لنكون أكثر عقلانيةً، في الحكم على تجارب الآخرين، بما فيها تجربة حسني مبارك في الحكم.

*بآخر السطر، التسجيلات التي تنزل تباعاً لمبارك، مسلية، وتكشف عن الكثير من المضمر والمطمور، في مرحلة تتجاوز ثلاثة عقود من تاريخ مصر والعالم العربي..