حمدي حسن أبوالعينين

قاطعت مثل كثيرين غيري الانتخابات الرئاسية الأخيرة في جولتها النهائيةrlm;.rlm; وقد عاتبني أصدقاء كثيرون علي هذا القرارrlm;.rlm; وكنت دائما أقول لو أني خيرت بين الموت غرقا أو حرقا فلن أختار أيهماrlm;,rlm; وسوف أنتظر قدر اللهrlm;.rlm;

وجاء قدر الله أن تنجو مصر من الموت حرقا بخروج جموع شعبها يوم الثلاثين من يونيو, ثم تخرج هذه الجموع مرة ثانية يوم الثالث من يوليو في نداء تاريخي لقواته المسلحة ورفض تاريخي لسكان قصر الاتحادية.
قبل أن تخمد النيران التي مازالت مشتعلة في سيناء وفي جيوب صغيرة في ربوع مصر خرج علينا الفريق أحمد شفيق بتصريح من منفاه الاختياري يقول فيه: إنه سوف يترشح لرئاسة الجمهورية, إلا إذا ترشح الفريق عبدالفتاح السيسي فسوف يتنازل عن الترشيح ويهرع إلي تأييده. تمنيت لو أن هذا التصريح نسب بالخطأ للفريق, ولكنه لم يكذبه, فعاودني علي الفور الشعور باختيار الموت غرقا.. فلم يكن هذا التصريح إن صح نسبه للفريق أحمد شفيق منطقيا لا من حيث موضوعه أو زمانه أو مكانه. كان باختصار التصريح الغلط.
يا سيادة الفريق لسنا معنيين الآن بمن يترشح لرئاسة الجمهورية.. فمازلنا مستنزفين في معركة مصيرية لم تحسم نهائيا بعد.. فلايزال مصريون أبرياء يتساقطون كل يوم برصاص الغدر, بينما تفيض جراح آخرين بالدماء من العنف الذي لايزال يمارسه بعض المأجورين والمستغفلين وفاقدي الوعي.. نحن شعب يحتمل في صبر حالة الطوارئ وحظر التجوال حتي تندمل الجراح ويتراجع الإرهاب المتربص بنا.. نحن نواجه هجمة غربية شرسة وخطط اللئام ومؤامراتهم علي بلادنا والإقليم من حولنا.. ونعاني أزمة اقتصادية طاحنة دفعت إلي دوائر الفقر المزيد من المصريين.. ورغم كل هذه التحديات نخوض معركة إعادة بناء نظام سياسي يحقق للمصريين آمالهم في حياة كريمة حرة وعادلة.. دعنا يا سيادة الفريق نخوض معركتنا القائمة ولا تصرفنا عما نحن مهمومون به.. سوف يأتي وقت الترشيح للرئاسة بعد أن تضع الحرب علي الإرهاب أوزارها وتعود السكينة تلف أرض مصر من شمالها إلي جنوبها.. ووقتها ارجع إلي مصر وتحدث بما تريد وقل ما تشاء لمن تشاء.. أما الآن فإما أن تشاركنا معركتنا المريرة, وإما أن تهنأ بما أنت فيه علي شواطئ الخليج الدافئة برمالها الناعمة وكرم أبنائه.
اختار الفريق شفيق أن يطلق بشارته للمصريين من دبي علي مسافة ألفي ميل.. ذكرني بالدكتور محمد البرادعي حينما اختار العاصمة النمساوية فيينا قبل نحو ثلاث سنوات يعلن منها بشارة ترشحه لرئاسة الجمهورية.. ألم يكن هناك علي امتداد أرض مصر مكان يصلح لإطلاق تلك البشارات.. يا سيدي منذ حملتك طائرتك خارج مصر سقط المئات من القتلي والآلاف من الجرحي في معركة البحث عن هوية سياسية مستقرة.. كان كل نصيبك منها سويعات تشاهد فيها التليفزيون تتابع منه مثل الملايين من غير المصريين ما يحدث في أرضها. لقد قلت يوما إن مبارك هو أستاذك الذي تعلمت منه, ولكن يبدو أنك لم تتعلم من الرجل الكثير. فقد تنازل الرجل عن الحكم حقنا لدماء المصريين واستجابة لإرادتهم ولم يشأ أن تحمله أي طائرة خارج مصر وكان بوسعه أن يفعل لو أراد.. لكنه واجه مصيره ولا يزال وهو في الرابعة والثمانين من عمره.. ورأي ابنيه في السجن وتحمل الصحيح والمكذوب من الأقوال وامتثل الرجل لقضاء مصر وحكمه يدينه أو يبرئه.. ولو أنك فعلت مثل الذي فعل لكان لك في مصر شأن آخر.
دراويش الفريق في مصر يمهدون لترشيحه من الآن بأقوال هي الهزل في مواقف الجد.. أنت لا تتحمل مسئولية ما يقولون, ولكن لابد أنك تعرف خرافاتهم التي يرددونها. هم يقولون إنك المناضل العنيد من منفاك الاختياري في أفخم منتجعات الدنيا كلها. إليك يعود الجزء الأكبر من الفضل فيما حدث قبل وبعد30 يونيو.. حشدت الإعلام ضد الإخوان وحشدت الموقف العربي لتأييد ثورة المصريين ضد حكم الإخوان وتقديم العون الاقتصادي قبل أن تقع البلاد في براثن الإفلاس.. بل وأسهمت في مواجهة الحملة الغربية علي مصر وجيشها.. وربما قال بعضهم إنك وضعت للجيش والشرطة المصرية خطط مواجهة العنف المتوقع في مصر.. هؤلاء الدراويش يا سيادة الفريق يسيئون لك ولتاريخك. فإما تنهرهم علي ما يقولون أو تتبرأ مما ينشرونه في مصر الآن.
وأخيرا فإن التصريح المنسوب إليك يتعامل مع مصر بمنطق الضيعة أو الإقطاعية. سوف تترشح. أما إذا ترشح الفريق السيسي فسوف تدعمه وتتنازل عن الترشيح للمنصب الكبير. إذا كنت تري الفريق السيسي هو الأجدر والأكفأ فكان ينبغي أن تعلن تأييده وتمارس جميع الضغوط من أجل ذلك.. أما أن تجعل ترشيحك مرهونا بقرار ترشيحه فهذا منطق مغلوط في التعامل مع موقف جاد وخطير.. وإذا كان الفريق السيسي هو الأكفأ لقيادة هذه الأمة وأنت تعرفه من زمن فلماذا لم ترشحه في الانتخابات الرئاسية الماضية بدلا منك.. أم أن الرجل الآن أصبح له وضع مختلف لا تقوي علي منافسته.. سيادة الفريق يعلم كثيرون أن قرارك خوض معركة الرئاسة الماضية هو الذي جاء بمحمد مرسي رئيسا لمصر.. فلم يكن بمقدور الإخوان أن يحشدوا ثلاثة عشر مليونا من الناخبين وراء مرشحهم. ولكن أكثر من نصفهم اختاروه لأنهم لم يوافقوا علي ترشيحك.. وكذلك الملايين التي صوتت لك كان أكثر من نصفهم لايريد الإخوان ومرشحهم.. لا نريد العودة إلي الاختيار بالنفي كما حدث في الانتخابات الرئاسية الماضية.. نريد وجوها مختلفة ومناخا جديدا للاختيار الحر الواعي. لقد أديت واجبك تجاه أمتك, وتاريخك شاهد علي ذلك وبوسعك أن تواصل خدمة هذا الوطن من أي موقع, وبلاش حكاية الرئاسة علي الأقل في هذه الظروف. والنصيحة الآن هي أن يقول الرجل خيرا أو ليصمت.