عبدالله بن بجاد العتيبي

المعركة في مصر مستمرةٌ بين الدولة المصرية والشعب المصري من جهةٍ وبين جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; من جهة أخرى، الدولة تسعى لاستكمال خارطة الطريق أو المستقبل والجماعة تسعى لتخريب هذه الخارطة وتخريب البلاد.

كان قرار حلّ الجماعة قراراً تاريخياً ربما تأخر شيئاً ما، ولكنّه خطوةٌ مهمةٌ بالاتجاه الصحيح فلم تدع الجماعة أي سبيل للتفاهم معها إلا أغلقته، وأصرت بطريقة أيديولوجية بحتةٍ على أن السبيل الوحيد أمامها هو إعلان الحرب والتخريب على مصر والمصريين، فقامت بنشر كافة أنواع العمليات الإرهابية من تفجيرات واغتيالاتٍ وحرق مراكز الأمن وسياراته، وقتل عناصره بالرصاص الحيّ والخرطوش وقنابل المولوتوف في محاولة يائسة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

قرار حلّ الجماعة واعتبارها منظمةً إرهابيةً، أثار حفيظة داعميها في المنطقة والعالم، ولكن أحداً منهم لم يتخذ موقفاً معلناً ورسمياً سوى دولة عربيةٍ واحدةٍ، تدخلت بشكل غريب في شأن مصري داخلي، حيث أخرجت بياناً مساء يوم الجمعة الماضي تعتبر فيه مواجهة الدولة المصرية والشعب المصري لإرهاب جماعة الإخوان قتلاً متعمداً لأفراد الجماعة، وهو موقفٌ يتسق مع سياستها التي بدأت منذ منتصف التسعينيات بالتحالف مع كل حركات الإسلام السياسي ورموزه وعناصره وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، وهي انتشت كثيراً عندما سيطرت الجماعة على مقاليد الحكم بمصر، وأصيبت بصدمة كبرى حين تمّ إسقاط حكمهم وهي لا تخفي دعمها لكل محاولاتهم للتخريب بمصر، وهو موقفٌ قصير النظر بحيث يراهن على جماعة فاشلة ويعادي دولة بحجم مصر وشعباً كشعبها، وهي ألقت بثقلها الإعلامي والمالي والسياسي خلف مشروع محكوم بالفشل، وهي تستقبل عناصر الجماعة أو العناصر الإرهابية الموالية لها، وتفتح لهم فضائياتها وصحفها، وتغدق عليهم الأموال لمواصلة التخريب.

بعد إنجاز الدستور المعدّل بمصر تتجه الأنظار للاستفتاء عليه الذي سيتمّ الأسبوع القادم وسيتحدد بعد الاستفتاء موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بحيث تجتاز مصر هذا العام 2014 مرحلةً حالكةً من تاريخها الحديث، وتفتح ذراعيها لمستقبل تسعى جهدها ليكون أفضل وأجمل.

أعلنت الحكومة المصرية ووزارة الداخلية والجيش المصري أنهم سيوفرون كل الوقاية والحماية لمقرات الاستفتاء، ودعوا الشعب المصري للمشاركة بكثافة فيه، وعلى العكس تسعى جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; لتعطيل الاستفتاء وكل العنف الذي تنشره في ربوع مصر إنما تريد منه تعطيل مسيرة خارطة الطريق، وإنْ بتفجير المقرات وقتل المواطنين الأبرياء.

إن قرار حلّ جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; وحظرها واعتبارها جماعةً إرهابيةً، يجب أن يتمّ تعميمه في الدول العربية، وأن تصبح الجماعة وعناصرها مجرّمين بحكم القانون، ومن ثمّ يتمّ الانتقال للمستوى الدولي، فمن يعرف تاريخ هذه الجماعة، ويتتبع واقعها يعلم أنها جماعة بنيت على العنف والدماء من أول يوم، وهي برغم المناورات الكثيرة والمعقدة التي مارستها عبر عقود، لم تستطع إخفاء هذه الحقيقة، وهي اليوم تظهرها بأبشع صورها.

إن موقف هذه الدولة ومعها دولة أخرى تجاه الجماعة يؤكد ما ذكر سابقاً من أن هذين البلدين سيكونان مركز الثقل laquo;الإخوانيraquo; الجديد مع بعض الدول الغربية.

لقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة سبّاقةً في الوعي العميق بخطر جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; على الدول والشعوب، وهي واجهت فرع الجماعة لديها بكل الوسائل وصولاً للأحكام القضائية النهائية بمعاقبة عناصر التنظيم laquo;الإخوانيraquo; لديها، كما واجهت كل تحركات الجماعة الأم بمصر والتنظيم الدولي وانتصرت في معركتها الداخلية والخارجية معها، وهي تقدّم نموذجاً ينبغي أن يحتذى في الدول العربية والإسلامية، حتى قبل أن تدخل مصر بلد المنشأ في مواجهة تاريخية مع الجماعة.

أخطأ كثيرٌ من السياسيين والمثقفين والإعلاميين الذين يجهلون أيديولوجية الجماعة وطبيعة تركيبتها وتفاصيل خطابها، حين أرادوا التعامل معها كفصيل سياسي مسالم يؤمن بالديموقراطية والحرية، وكل مفردات الخطاب المدني الحديث، وقد اكتشف أكثر هؤلاء خطأهم بعد أقل من سنة من حكم الجماعة الأصولية، وبقيت بقيةٌ قليلةٌ ممن هم على استعداد دائم للدفاع عن الجماعة إما جهلاً بها وإما مناكفةً لخصومها، وغالب هذه البقية المستعدة للانخداع يحاولون التأكيد على أنهم لا يمكن أن يحسبوا على الجماعة بأي حالٍ من الأحوال، وهم غارقون في خدمة أجندتها من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

لم يكن الشعب المصري يوماً في حالةٍ من العداء المستحكم لهذه الجماعة، كما هو اليوم، وذلك لأنه رأي بعينيه المصير الحالك الذي كانت تقوده له الجماعة، وأدرك خطورتها وشاهد ويشاهد كل يومٍ محاولاتها المستمرة لإرهابه وتدمير مستقبله، وهو أمرٌ غير مسبوقٍ بهذا الحجم وهذه الحدة من قبل، ولا ينبغي لبقية الدول العربية أن تعيد تجريب المجرب.

فلول جماعة laquo;الإخوانraquo; في الدول العربية، وفي دول الخليج تحديداً لا يقلون خطراً عن الجماعة الأم والحاجة ماسةٌ لتجريم تلك الفلول بالقانون والنظام حتى تستطيع هذه الدول تأمين مستقبل أبنائها وأجيالها القادمة من خطر هذه الجماعة الدموية العنيفة.

هذه الفلول تمارس ترويجاً لأدبيات هذه الجماعة وتقدم دعماً غير محدودٍ لها، وهي حين تقوم بالدفاع عن هذه الجماعة أينما وجدت وتبرر أخطاءها وخطاياها وفسادها، تقوم في الوقت ذاته بمهاجمة بلدانها وإشاعة روح الغضب والتذمر والسخط عند أي خطأ إداري أو حادثةٍ عارضةٍ، ومن يراقب هذين المسارين يكتشف بسهولةٍ كم هو خطيرٌ غض الطرف وتأجيل المواجهة.

أخيراً، فإنه وعلى الرغم من كل الإرهاب الذي تتبناه الجماعة، وتدفع باتجاهه داخل مصر مدعومةً من الخارج، فإن لدى الشعب المصري والدولة المصرية القدرة على المضي قدماً بخارطة الطريق نحو المستقبل، فالإرهاب لا يهزم الدول والشعوب.