أمجد عرار


يخال المرء وهو يسمع راشد الغنوشي يتحدّث عن إمكان منح الحكومة التونسية حق اللجوء السياسي لعناصر من quot;إخوان مصرquot;، أن الرجل رئيس جمهورية أو رئيس حكومة، وليس رئيس حركة اسمها quot;النهضةquot;، ولا نعرف إن كان لها من اسمها نصيب .
الغنوشي لا يقول الكلام على عواهنه، فهو رجل مجرّب ومخضرم وتشرّب quot;الديمقراطيةquot; من منبعها في منفاه في الغرب قبل أن يعود ومعه حركته مستعجلاً لها صهوة السلطة . فلأن تونس بلد ديمقراطي وملتزمة نظام الأمم المتحدة وهناك مؤسسة اسمها مؤسسة اللاجئين، يرى الغنوشي أن من حق كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تمنحَ اللجوء السياسي للسياسيين المضطهدين .
من حيث المبدأ، لا اعتراض على هذا الكلام، لكن الشيطان لا يقترب من المبدأ إنما يكمن دائماً في التفاصيل . قد يكون الغنوشي استمد فتواه السياسية من تجربته في اللجوء في لندن، وقد يكون يتحسّب من تكرار التجربة فلجأ للمثل القائل quot;إياك أعني واسمعي يا جارةquot; . ومع كل ذلك، كان على الغنوشي أن يطالب بكذا وكذا، لا أن يقرر، فهو لا يشغل أي منصب ولا يحق له الحديث باسم الحكومة التونسية التي لم تشكّل بعد، إلا إذا كان غير مستوعب لحقيقة أن حكومته استقالت وباتت من الماضي، تماماً كحكومات ابن علي .


الوضع الأفضل ألا يحتاج أي مصري أو عربي للجوء إلى أي بلد آخر، ومن يختار العنف والتحريض ومنهج الفتنة، وحتى من يختار طريق الجهاد والنضال، ينبغي أن يكون مستعداً لكل العواقب، بما فيها السجن، على أرض ناضل أو يدعي أنه يناضل لأجلها . طلب اللجوء يعني الهرب وترك الوطن لغيره، فلماذا ناضل أو جاهد إذاً؟
الغنوشي يقول أيضاً، إن حركته خرجت من الحكم شعوراً منها بالواجب والمصلحة الوطنية، ولمنع البلاد من تكرار السيناريو المصري . وهذا كلام فيه كثير من العقلانية والواقعية، وإقرار بأن الخروج أفضل من الإرغام على الخروج، وأن مصلحة البلد تعلو على مصلحة الجماعة أو الحزب والفرد . لكن بدلاً من أن يفتح ذراعي تونس لقبول quot;إخوانهquot; المصريين كلاجئين سياسيين في تونس، كان عليه أن ينصحهم باتباع quot;الواقعيةquot; نفسها التي تحدّث بها عن تعاطيه مع مسألة السلطة . إذا اتبع quot;الإخوانquot; في مصر منطق الغنوشي نفسه quot;مصلحة البلادquot;، فلن يكونوا عندها في حاجة إلى طلب اللجوء، لا في تونس ولا في غيرها، لأن الوضع الطبيعي أن تكون مصر بلداً يلجأ إليه المظلومون وليس العكس .


الحراك العربي بدأ في تونس، وتحوّل في غيرها إلى فوضى وفتن وشلالات دماء، ومن هنا ينبغي لكل عربي نظيف أن يشعر بالغبطة إذ يرى الأمور تتجه للانفراج في تونس بعدما استقالت حكومة الفئة لمصلحة حكومة الكفاءات ولمصلحة البلد، لأن من شأن هذه الخطوة هجر أساليب الامتطاء والسّلق، وترسيخ منهج التدرّج الديمقراطي المبني على أرضية حقيقية صلبة، عمادها التعددية السياسية الواعية ومراعاة الظروف المحلية الخاصة ورفض الاستيراد، ونبذ أساليب العنف والإرهاب والفوضى . ومثلما كانت تونس بداية ما يجري من دمار في بعض الدول العربية، فإننا نأمل أن يكون صلاحها بداية تصحيح المسار كله .