خليل علي حيدر

هل يعقل ان يتعرض شيعة العراق وسنتها، وعربها واكرادها، لكل هذه المذابح والتصفيات والتهجير يومياً، ويعيش شيعة لبنان وسنتها ومسيحيوها ودروزها هذه الكوارث، بينما تعمّ شيعة الكويت وربما شيعة البلدان الخليجية مظاهر الفرح والاحتفال والبالونات الملونة.. بمناسبة «عيد الغدير»؟!


من الذي يخطط خلف الستار، من دهاة التشيع السياسي ومتشددوهم، لعزل الشيعة عن مجتمعاتهم، وتمييز مناسباتهم، والدفع بهم نحو بيئة اجتماعية ودينية خاصة منطوية على الذات؟ هل كل ما تروج له الاوساط الدينية والمذهبية في ايران، يصلح لشيعة الدول الخليجية والعربية؟ وهل اولويات بلداننا نفس اولويات شيعة ايران، وحكومة الجمهورية الاسلامية ومؤسستها الدينية والمذهبية؟.


من الذي يريد استخدام المناسبات الدينية الشيعية، مع قدوم شهر محرم خاصة، لتوليد مشاعر الانعزال والانطواء، وللاستفادة الطائفية من هذه الاحتفالات لحسابات سياسية وانتخابية وحزبية ومصلحية من كل لون؟.


ان البيئة الطائفية في العراق ودول الخليج ولبنان مريضة الى اقصى حد، والمشاعر المذهبية المتأزمة الدفينة تتصاعد مع كل مناسبة، كما ان وسائل الاتصال الاجتماعية والالكترونية تئن من الاتهامات والالفاظ المشينة التي لا تصدر عن مجتمع متعاف سليم، فلا مصلحة للشيعة خاصة في ان يبرزوا باستمرار ما يثير مشاعر الاطراف الاخرى أو يفسح المجال للمتشددين والتكفيريين لأن يجدوا وقودا جديدا لحملاتهم.


ان الجماعات والشخصيات الذين يقفون خلف هذه المظاهر لا يهمهم في قليل أو كثير ما ينجم عنها، ولا يكترثون بتأثيراتها الاجتماعية والطائفية. ولكن اين الجانب الآخر من الشخصيات الشيعية الناضجة ذات البصيرة والاستقلالية والحريصة على محاصرة الطائفية، وجعل المذهب والدين شأنا خاصا لا يفرض على كل المجتمع وعلى من لا يعتبر بعض مناسباته معبرة عما يؤمن به؟.


الاحتفال المبالغ فيه بمناسبة الغدير ليس المظهر الوحيد لنشاط جماعات التشيع السياسي في الكويت. فكل المناسبات الاجتماعية واللقاءات ومناسبات الحزن والفرح قد جرت مصادرتها وإغراقها بالاجواء الدينية والمذهبية بل والطائفية.
فقد تضاعفت اجواء الحزن والتعبير عن دلالاته، وجرت محاصرة طفولة الاولاد والبنات الصغار، ولم تسلم من هذه الحملة المتعصبة حتى مناسبات الفرح والاعراس.


مثل هذه التعبئة الاجتماعية والترويج للتشدد الديني لا علاقة له بأي تدين حقيقي كالذي نراه بين الكثير من المسلمين شيعة وسنة وبين أتباع سائر الديانات في كل دول العالم. ومن المثير للتساؤل حقا ان بعض هؤلاء المندفعين خلف هذه المظاهر من المتعلمين والمتعلمات، بل وحملة شهادات عالية احيانا ومن العاملين في مهن رفيعة، ومن الذين لا يكفون عن السفر والسياحة وزيارة دول اوروبا وآسيا، بل وممن يرون الكثير من الاقليات الدينية في هذه البلدان ويقرأون عنها، ويعرفون حتى من كتب المذهب الجعفري ان المبالغة في هذه المظاهر، خطوات وممارسات فردية وحزبية وسياسية. ولكن المؤسف ان مظاهر الحصار الديني زحفت منذ سنوات حتى على السفر والسياحة، فصار التركيز على الاسفار الدينية والمزارات في ايران والعراق. وغدت هذه الرحلات بدورها مجالا آخر للمبالغة والتكرار شهرا بعد شهر، ومناسبة بعد مناسبة. وهكذا ظهرت في هذا المجال شركات سياحية ومؤسسات وطقوس وتقاليد ومصاريف ربما بلغت ملايين الدنانير سنويا.


اين النخب الشيعية الواعية عن هاوية العزلة والتشدد هذه، التي ينزلق اليها قطاع واسع من المجتمع بسرعة هائلة؟ للأسف لا تكترث بما يجري إلا قلة قليلة. فالشخصيات التقليدية في الوسط الشيعي فقدت نفوذها، والاثرياء الجدد وبعض رجال الدين والساسة الطموحين والراغبين في الصعود المالي والوظيفي من مؤيدي هذه المظاهر، والشريحة المتوسطة تلاحق حياتها وتربية ابنائها، فيما يُترك جمع واسع لمن يتلاعب بفكرهم ومصيرهم.
من يقود حركة اجتماعية.. للانقاذ؟!.
&