يوسف عوض العازمي

كما هو واضح من عنوان المقال يبدو أن المسيرة التراجعية لسعر برميل النفط تتجه إلى الأربعين دولاراً، وواضح أن الدول المنتجة الرئيسية أخذت تنسجم مع هذه التسعيرات المخفضة، وأصبح التنافس على الحصص السوقية على أشده، والكل يدافع بقوة عن حصصه وسط سوق فيه وفرة في المعروض وانخفاض في الطلب، فالسعودية قبل أيام أعلنت تقديمها خفضاً على خام العربي الخفيف الذي ستبيعه لآسيا في يناير المقبل، وهو التخفيض الأعلى خلال 14 عاماً، والعراق يقدم هو الآخر تخفيضاً على نفط البصرة الخفيف هو الأقل خلال 11 عاماً، كما تقدم الكويت أعلى تخفيض في ست سنوات لعملائها في آسيا، وذلك بمقدار 3.95 دولارات، حسب متوسط سعر دبي/ عمان.


وفي تقرير لمنظمة "أوبك" يتشاءم فيه من الأيام القادمة، توقع هذا التقرير أن يكون إنتاج 2015 هو الأدنى منذ 2003، وبطبيعة الحال لن يعجب هذا الكلام روسيا ولا حليفتها إيران اللتين تتجرعان المر نتيجة هذا التراجع السعري، فالدولتان تعتمدان بشكل كبير على هذا المنتج، بل ويتم تحديد أوجه الصرف في ميزانيتهما على تسعير محدد لسعر البرميل النفطي.


وهنا لابد من الإشارة إلى النفس السياسي الواضح في هذه الانخفاضات السعرية، فرغم مناشدات إيران (التي تعتمد سعر 130 دولاراً للبرميل في ميزانيتها، مما يبين سبب الاحتجاج الإيراني على هذه التخفيضات السعرية) لدول أوبك لعمل طريقة تعاد بها الأسعار كما كانت، إلا أن التجاهل الواضح من زميلاتها في "أوبك" واضح للعيان.


في الولايات المتحدة التي، بفضل النفط الصخري، توسعت صناعاتها الكيماوية، وازدهرت، توجد مطالبات وتحركات نشيطة من عدد من الساسة لرفع حظر تصدير النفط الأميركي إلى الخارج والمفروض منذ 40 سنة، أي أن التأثير عالمي وليس في دول "أوبك" أو روسيا فقط. السعودية لاتزال صامدة أمام الإلحاح المتكرر لخفض الإنتاج، وتسعى إلى فرض ما تريده هي وشقيقاتها الخليجيات، وفي مدينة ليما عاصمة جمهورية بيرو، حيث عقد مؤتمر سنوي عن تغير المناخ، وكان السيد علي النعيمي وزير النفط السعودي حاضراً، فسئل عما إذا كان يعتقد أنه من الضروري خفض الإنتاج قبل اجتماع "أوبك" المقرر في يونيو المقبل، فكان الرد: لماذا يجب علينا خفض الإنتاج؟ لماذا؟
هذه اللهجة الحاسمة للوزير السعودي تؤكد ما كان يصرح به الوزير نفسه، وأيضا زملاؤه الخليجيون، بضرورة ترك السوق يصحح نفسه بنفسه دون تدخل بتخفيض الإنتاج أو غيره مما يتاح.


الواضح أن هناك قبولاً وقناعة من دول معينة بما يحدث، والعكس صحيح، والمصالح هي التي تتحدث، وللدول استراتيجياتها وخططها التي تنسجم مع مستقبلها، ولا شك أن التأثير السياسي سيكون ملموساً في حال استمرت التراجعات السعرية، ولا ننسَ التدخل الإيراني الكبير في أحداث المنطقة التي، وبدعم من ارتفاع سعر برميل النفط، ضخت أموالاً هائلة في مناطق النزاع لفرض نفوذها السياسي.


وأثمرت التدخلات الإيرانية تحقيق مصالح كبيرة لها، والآن ينخفض سعر البرميل، والعملة الإيرانية تتراجع، مما جعل الرئيس حسن روحاني يتخلى عن دبلوماسيته ليقول إن ما يحدث من تراجع في الأسعار وراءه أسباب وتدخلات سياسية!
الآن نحن على مشارف عام 2015، والتراجعات السعرية مستمرة رغم توقفها في دائرة سعرية لوقت قصير، ثم استئناف النزول مرة أخرى، والدول لا تتحدث إلا وفق مصالح، والمصالح قد لا يكون الحديث عنها صريحاً في أحيان كثيرة، وإن فضحها الفعل، لكن السؤال هنا: هل سيصل السعر إلى 40 دولاراً كما قال الرئيس الإيراني؟ وإن وصل هذا السعر فهل سنتحدث عن أسعار دون الأربعين؟ الله أعلم وكل شيء جائز.
&