هل تكون مهمة الأدباء القوميين الفرس استئصال العرب من عربستان


الإيرانيون يمجدون ماضي الحضارة الفارسية ويكيلون الشتائم والإساءات إلى العرب والمسلمين.


يوسف عزيزي


ظهرت بعض الأصوات في العهد الصفوي (1502 ndash; 1722) تدعو إلى إعلاء اللغة الفارسية على العربية وذلك بعد أن تشيعت إيران على يد الشاه إسماعيل الصفوي. غير أن الدعوة لم تتجاوز إطارا محدودا، حيث شهد الأدب الفارسي في ذلك العهد، فترة انحطاط. وقد استمرت هذه الفترة حتى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، عندما اصطدمت إيران بالغرب عسكريا وسياسيا وثقافيا.
لم تصح إيران من سباتها القروسطي إلا بعد أن دكت المدفعية الروسية فيالق الجيش الإيراني وانتزعت عدة ولايات قوقازية من الإمبراطورية القاجارية. لكن الصحوة الإيرانية لم تكن كما كانت الصحوة الأوروبية في عصر النهضة التي أخذت الإيجابي من الحضارتين الإغريقية والرومانية ونبذت السلبي منها، إذ أن المفكرين والأدباء الإيرانيين أخذوا يمجدون الماضي السحيق المتمثل في ما يسمى بالحضارة الفارسية قبل الإسلام ويكيلون الشتائم والإساءات إلى العرب والمسلمين بسبب فتحهم للإمبراطورية الساسانية وأسلمتها.

كاتب متطرف

كان الأمير جلال الدين ميرزا، الابن الثامن والخمسين للشاه فتعحلي القاجاري أول من نادى بتنقيح اللغة الفارسية من المفردات العربية وخلق لغة فارسية نقية من لغة الأعداء -أي العرب- وذلك في أواسط القرن التاسع عشر. وقد نشر كتابا في هذا الخصوص سماه ldquo;نامه خسروانيrdquo; أي ldquo;الرسالة الكسرويةrdquo;. وقد سار آخرون على درب هذا الأمير المهووس بالحضارة قبل الإسلامية لخلق لغة فارسية نقية، غير أن معظم هذه المحاولات باءت بالفشل حيث من الصعب تنقية كافة المفردات العربية من اللغة الفارسية حيث تشكل نحو 60 في المئة من هذه اللغة.


bdquo;اقتراح هرتزل quot;ابتياع فلسطين من قبل اليهودquot; يماثل ما طرحه الكرماني في quot;رسالة ابتياع عربستانrdquo;

ويُعدّ آغاخان الكرماني وفتحعلي آخوندزاده من أبرز الأدباء والمفكرين التابعين لهذا النهج العنصري.

ويصف الباحث الإيراني رضا بيكلو في كتابه ldquo;النزعة الإيرانية قبل الإسلاميةrdquo; الكرماني بأنه ldquo;يمثل التطرف، إذ كان حميا أكثر مما ينبغي في اتجاهه القومي الشوفيني ونزعته لإيران قبل الإسلامrdquo;. ويضيف ldquo;عندما كان يتحدث الكرماني عن العرب، يسيطر عليه الغضب والكراهية بشكل ينحّي جانبا نظرته العلمية للقضايا وأسباب الأحداث ويهاجمهم أكثر من آخوندزاده ويطالب الإيرانيين بالابتعاد عنهم والتنحي عن تقاليدهم وسننهمrdquo;.

في الواقع نجد عاملين أثارا العداء ضدّ العرب والإسلام في تلك الفترة: الأول المستشرقون الغربيون، والثاني جالية ldquo;فرس الهندrdquo; أو أحفاد الفرس الزرادشتيين الذين هاجروا إلى الهند بعد الفتوحات الإسلامية لإيران.

لننتبه إلى هذه العبارات العنصرية لآغاخان الكرماني: ldquo;كل الأسف لك يا إيران! فماذا عن قوتك السماوية؟ وأين ذهب دينك وسلوكك ومزاجك الكريم؟ إذ هاجمتك حفنة من العرب الحفاة العرايا، المتوحشين الجياع، اللصوص النحفاء، أكلة الفئران المشردين، العنيفين والأفظاظ، المتعطشين للدماء، وهم حيوانات بل وأحقر منها، هاجموا قافلة وجودكrdquo;.

لا يقل فتحعلي آخوند زاده، وهو أبرز مفكر ومسرحي في عهد التنوير الإيراني خلال منتصف القرن التاسع عشر عن زميله الكرماني استعلاء، إذ يصف الإيرانيين في كتابه ldquo;مكتوبات كمال الدولةrdquo; بأنهم ldquo;أبناء فارسrdquo; وrdquo;علينا أن نتعصب للفرسrdquo;. ويقول عن العرب بأنهم ldquo;ذوو خصال وحشية وطبيعتهم بربريةrdquo;.

هرتزل والكرماني

تحدث ثيودور هرتزل في العام 1897 خلال المؤتمر الصهيوني العالمي في مدينة بازل السويسرية عن ldquo;أرض بلا شعب لشعب بلا أرضrdquo;. وخطط بذلك لتهجير اليهود من بلادهم الأصلية إلى أرض فلسطين. والجميع يعرف عن استنزاف الدم العربي لفترة ستة وستين عاما على هذه الأرض. لكن قبل أن يحلم ثيودور هرتزل بأرض فلسطين كان حلم تهجير غير العرب إلى عربستان يراود المفكر العنصري الفارسي آغاخان الكرماني. إذ ألف كتابا بعنوان ldquo;رسالة لابتياع عربستانrdquo;. وكانت عربستان آنذاك، مملكة ضمن ldquo;الممالك المحروسة الإيرانيةrdquo; وتتمتع بحكم ذاتي واسع جدا.

ويقول الأديب الإيراني يحيى دولت آبادي الذي عاصر تلك الفترة، في كتاب مذكراته ldquo;حياة يحيىrdquo;: ldquo;يقترح آغاخان الكرماني في كتابه أن يشتري فرس الهند -أي الزرادشتيون في الهند- الأراضي الخصبة من إقليم عربستان من الدولة الإيرانية وأن يهاجروا إليها ويبنوا سدا على نهر كارون ومدينة على ضفافه كمدينة كراتشي أو مومباي، ثرية ومشفوعة بالروح الإيرانية. وبعد وصول الرسالة إلى الهند، تبناها الفرس هناك حيث باشروا التباحث مع البلاط الإيراني تنفيذا لهذا الهدف، غير أن الشاه ناصرالدين لم يقبل بذلك ولم يصلوا إلى أية نتائجrdquo;.

برأيي إن الشاه ناصرالدين القاجاري (1831 ndash; 1896) لم يوافق على المشروع الذي كان يهدف إلى استئصال العرب من أرض آبائهم وأجدادهم في عربستان للأسباب التالية: أولا إنه تركي المنشأ وليس فارسيا، وثانيا كانت لديه أحاسيس دينية نوعا ما.


bdquo;الصوت العنصري في الأدب الفارسي من الفردوسي إلى هدايتrdquo;

لكن عام 1925 وبعد مرور نحو 3 عقود، وافق الشاه رضا البهلوي على الخطة لكن بشكل مبطن وذلك بسبب شوفينيته الفارسية واتجاهاته اللادينية وبعد أن قضى على آخر حاكم عربي لإقليم عربستان، الشيخ خزعل بن جابر. فلو أراد ناصرالدين شاه لفعل ذلك لأنه لم تكن أساسا أية دولة عربية مستقلة آنئذ لترفع صوتها ضد الخطة، كما لم تفعل ذلك حتى الآن ولم تحتج على خطط مماثلة ضد الشعب العربي في عربستان، رغم استقلال 22 دولة عربية.

لكن الخطة أصبحت على أجندة السلطة الإيرانية من جهة والمفكرين والأدباء والصحفيين الفرس من جهة ثانية بعد أن استتبت الأمور في عهد الشاه رضا البهلوي. كما لم ينس ناصرالدين شاه، رفض رؤساء القبائل العربية في عربستان، الانتماء إلى الأمبراطورية العثمانية بعد أن وعدهم ممثلها في العراق درويش باشا بإعفائهم عن الضرائب لمدة عشر سنوات، لكنهم ورغم فرامين جعفرخان مشيرالدولة، الوزير الأول للشاه ناصرالدين بفرض عشرين ألف تومان إضافة إلى الضرائب المستحقه عليهم، اعتبروا أنفسهم إيرانيين، والسبب هو شيعية الدولة الإيرانية.

ولا أستبعد تأثر ثيودور هرتزل بمشروع الكرماني الخاص بابتياع الفرس الزرادشت لإقليم عربستان حيث كان الاثنان في إسطنبول قبل أن يطرح هرتزل مشروعه المتعلق بالوطن القومي لليهود في فلسطين عام 1897. وقد اقترح هرتزل موضوع ldquo;ابتياع فلسطين من قبل اليهودrdquo; وهي فكرة تماثل كثيرا ما طرحه الكرماني في ldquo;رسالة ابتياع عربستانrdquo;.

فلم يذكر أي مؤرخ عربي هذا الموضوع الخطير قبل أن أكشفه هنا للقارئ العربي.