سعود البلوي

منظّرو الفكر المتطرف لم يأتوا بنصوص من التوراة والإنجيل ليقنعوا بها شبابنا المغرر بهم، بل اعتمدوا على تأويل النصوص واستجداء التراث لتبرير ما يقدمون عليه من أعمال منافية للإنسان والأديان كلها


مرت أربعة أعوام على المؤتمر الدولي الأول لمكافحة الإرهاب
(بين تطرف الفكر وفكر التطرف) في الجامعة الإسلامية، وها هو المؤتمر العالمي الثاني يبدأ أعماله غدا فيها تحت عنوان quot;مراجعات فكرية وحلول عمليةquot; وسط مشاركة دولية واسعة.


ويأتي هذا المؤتمر في ظل معاناة مجتمعات مختلفة في العالم من ويلات quot;الإرهابquot;، وهذا ما سيوجب أن تكون القراءة للحلول الفكرية موازية للحلول الميدانية، المتمثلة في ملاحقة الإرهابيين وإحباط محاولاتهم، وأتذكر أنه في المؤتمر الأول أجمع المشاركون والحاضرون على نبذ الإرهاب وضرورة محاربته، مع أن هناك اختلافا في الرؤى والأفكار حول المسببات وسبل المعالجة الناجعة للتطرف الفكري المؤدي إلى الإرهاب، وكان الأمير نايف بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ حينها أكد على ضرورة مقابلة الفكر بالفكر، وهذا أمر مهم ما زلنا نحتاج إليه.


والجهود التي تبذلها الجامعة الإسلامية بقيادة معالي مديرها الأستاذ الدكتور عبدالرحمن السند، مميزة في هذا الصدد، إذ صرّح بأن إقامة هذا المؤتمر تمثل إحدى صور جهود المملكة في مكافحة الإرهاب العالمي، وأن تجربة المملكة في مكافحة الإرهاب أمنيا وفكريا تعدّ أنموذجا عالميا يقتدى، كما أوضح أن المؤتمر سيناقش أربعة محاور، تأتي في مقدمتها المراجعات الفكرية لقضايا شرعية، ثم تقويم جهود المعالجة الفكرية، ثم مرئيات جديدة معززة لاستعادة المنحرفين، ويناقش المحور الرابع الآليات الجديدة المعزّزة لدرء الخطر عن المستقيمين.


وتأتي مبادرة عقد هذا المؤتمر ـ تحت عنوان آخر مهم ـ مبادرة مهمة تتيح في طرح أشكال من المراجعات الفكرية لمن اعتنقوا الفكر المتطرف سابقا، وفي الوقت ذاته تطرح الحلول العملية التي تسهم في جعل الأجواء إيجابية لمواجهة هذه المعضلة العالمية، ومع ضخامة هذه المعضلة الفكرية، إلا أننا نجد أنفسنا أمام جماعات تعتمد على جانبين فيهما حساسية عالية، وهما: الدين والسياسة، أي خلط الجانب الديني ـ المتمثل في النصوص والأحداث التاريخية ـ بالسياسي الذي يتمحور حول محاولة السيطرة على السلطة، وهنا تأتي ضرورة تسليط الضوء على المكاسب السياسية على اعتبار أن quot;الإرهابquot; ما زال شكلا من أشكال العنف الهادف لتحقيق مكاسب سياسية، وإن خفيت هذه المطامع على أولئك الشباب المتحمسين، وظهرت لهم فقط المبررات الدينية، غير أن القيادات الفكرية للإرهاب ما زالت تغذي عقول الشباب بما يدفعهم أن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة، على الرغم من انحسار الموجة العاتية التي كان عليها الأمر قبل عقد من الزمن تقريبا، إلا أن الأحداث السياسية من حولنا غالبا ما يصاحبها محاولة وضع كرة الإرهاب في مرمى السياسة.


وفي إطار ملاحظة أفكار الأفراد الذين كانوا ذوي فكر متشدد وتراجعوا تظهر الحقيقة، إذ إن quot;الحقيقةquot; المطلقة التي كانوا يؤمنون بها قد اتضحت على أساس أنها ليست حقيقة؛ ولهذا من المهم أن تبدأ المواجهة مع الفكر نفسه، في ظل قدرة quot;الإرهابquot; على إعادة إنتاج نفسه بعد كل مرة يصاب فيها بمقتل، وهذا ما يثير التساؤل حول هذا المورد الذي ينهل منه الإرهاب والإرهابيون!
إن المواجهة مع quot;الإرهابquot; مستمرة؛ لأنه لن يُقضى عليه نهائيا إلا بالوعي وتغيير الفكر من جهة، ومن جهة أخرى الفهم الصحيح لمقاصد الدين الإسلامي؛ الأمر الذي يشير إلى أن جذور هذه المعضلة عميقة في ثقافتنا الإسلامية، فمنظرو الفكر المتطرف لم يأتوا بنصوص من التوراة والإنجيل ليقنعوا بها شبابنا المغرر بهم، بل اعتمدوا على تأويل النصوص واستجداء التراث لتبرير ما يقدمون عليه من أعمال منافية للإنسان والأديان كلها، ويبدو أن مبدأ quot;التكفيرquot; جزء أساس في فكر quot;الإرهابquot;، وما نشهده اليوم في ظل أحداث العالم العربي يوضح أننا أمام مشكلة كبيرة جدا حين يقتل طرف أخاه في الطرف الآخر.. مما يعني أننا فعلا بحاجة إلى المراجعات الفكرية للوصول إلى حلول عملية.