محمد الساعد

في عام 1990 وبعد غزو العراق للكويت وتهديدها للسعودية، قدم زعيم تنظيم «القاعدة» «المقبور» أسامة بن لادن عرضاً شهيراً لقادة السعودية، يتلخص في استدعائه لمئات الآلاف من المقاتلين المتطوعين المسلمين من كل أصقاع الدنيا، لمحاربة صدام حسين وجيشه المهول.

&

كان جيش صدام يناهز حينها المليون مقاتل، مع امتلاكه لمخزون هائل من الأسلحة الفتاكة وخبرات قتالية متراكمة كجيش نظامي عقائدي ومحترف.

&

العرض لم يكن بريئاً في مشهده السعودي، وإن كان ساذجاً في شكله ونتائجه العسكرية، فهو جاء من خلفية حرب العصابات التي كان يقوم بها الأفغان ضد الجيش الروسي، ونفير عشرات الآلاف من المقاتلين العرب والمسلمين لمساندتهم.

&

بالطبع الوقائع تقول إن الانتصارات التي تحققت بعد أكثر من 10 أعوام من القتال المرير، وملايين من القتلى والمشردين، دفع الشعب الأفغاني ثمن ذلك حتى اليوم، جاءت بعدما قدمت الولايات المتحدة إثر إلحاح سعودي أسلحة نوعية متقدمة، كان أهمها صورايخ «ستينجر» المحمولة على الكتف المضادة للطائرات، ومضافاً إليها أسلحة أخرى مضادة للدبابات والدروع.

&

كان قراراً حكيماً من السعودية حين رفضت بلطف عرض أسامة بن لادن «الخبيث - الساذج»، الذي يؤكد الضحالة السياسية لدى أبناء التيارات الدينية والإسلاموية، ومكرهم وهوسهم الدائم باستدعاء مقاتليهم لداخل المدن والشوارع السعودية.

&

عرفت القيادة السعودية أن ذلك الطرح لم يكن سوى فخ لجلب مئات الآلاف من المقاتلين المهووسين بقيم وأفكار متطرفة ومتناقضة، كيف لا وهم تقاتلوا في ما بينهم بعد ساعات من دخول العاصمة الأفغانية كابل.

&

يبدو اليوم أن التكتيك نفسه يعاد إنتاجه، ولكن من خلال تعديلات تناسب المرحلة، إذ يتم إنشاء جيوش صغيرة لمقاتلين سعوديين يقيمون على تخوم المملكة في حدودها مع العراق واليمن.

&

وتقوم تلك الاستراتيجية على عدة محاور، أهمها جمع أكبر عدد ممكن من المراهقين والشباب الغاضبين، الذين تتم تهيئة غضبهم وتصعيده على مدى أعوام، من خلال تشكيكهم في قيادتهم ووطنهم، وقيم المجتمع الدينية التي يسير عليها.

&

فعمل المرأة وقصص التغريب الوهمية والمهرجانات والتعليم، ودور المملكة في قضايا العالم الإسلامي، وأخيراً تكفير الدولة السعودية والأمن والمجتمع ليسهل إسالة الدماء، كلها متاهات من الكراهية يتم إدخال الشباب فيها، ليرسلوا بعد ذلك إلى مواقع الفتن، ليتم تدريبهم وإعادتهم كمحترفين للقتل والموت في بلدهم.

&

إنها أدوات تستخدم من محرضين في الداخل خانوا الله والوطن ينفذون أجندات إقليمية ودولية، لتأجيج نار الحقد والكراهية في نفوس الشباب الغر، وإرسالهم بعد ذلك للالتحاق بما يسمى بالجهاد، وهو في حقيقة الأمر لا يعدو كونه التحاقاً بـ«داعش» و«القاعدة»، ليعودوا بعد أعوام كجيشين يهدفان للإطباق علينا من الشمال والجنوب.

&

فهل نحن اليوم في مأمن منهم، وهل نحن قادرون على صد 8 ألاف مقاتل سعودي ملتحقين بـ«داعش» و«القاعدة»، ومعهم آلاف آخرون من شذاذ الأفاق يتدربون ليل نهار في المدن اليمنية والسورية والعراقية على حروب العصابات.

&

فكل من حولنا عندما أصيبوا في أوطانهم، كانوا يعتقدون أنهم في مأمن، ولكنهم اخترقوا أولاً من أبناء جلدتهم ومن شبابهم على الأخص.

&

ولذلك كله، أكاد أجزم أن تفكيك مكائن «التحريض» في المملكة، وتحديث المجتمع وتمدينه، والتوسع في برامج التنمية، والبدء في برنامج خدمة العلم أو التجنيد الإلزامي، كفيلة بإعطائنا حلولاً سريعة لتفكيك كرة الموت والكراهية التي تتجمع على أبوابنا وحدودنا ليل نهار.

&


&