تركي الدخيل

شكّلت الأصولية المدمرة التي غشت العالم العربي منعطفاً في حقبة الانتقال من الهيمنة العثمانية إلى الدولة المدنية، والانفتاح على العالم وانتشار صيغ الدولة الحديثة بمفهومها الأوروبي الحديث، إذ ظهرت في العشرينيات من القرن العشرين جماعة الإخوان المسلمين لتكون العقبة الكبرى لتقدّم الأمم والدول والشعوب والثقافات.


فقد هيمن الحزب الدموي الفاشي على مفاصل التأثير والمنابر، وتردد الموقف منه سياسياً بين التقريب المشترط تارةً والإبعاد تارات أخرى، كما فعل جمال عبدالناصر، ومن ثم جاء الاستخدام الواضح بسبب الصراعات العربية على القومية والنفوذ الإقليمي والصراع بين النفوذ الغربي والشرقي، وحكاية المعسكرات، ولكن المرحلة الأخطر كانت في عهد أنور السادات.


وفي كتاب مهم بعنوان: "السياسة الدينية والدول العلمانية-مصر والهند والولايات المتحدة"، يذكر سكوت هيبارد حكاية مصر مع الأصولية، وهي القصة التي أثّرت في المحيط كله، ولئن كان موقف بعض دول الخليج موارباً في السبعينيات، وخاصة بعد أن وقفت بشكل إنساني مع الإخوانيين المطاردين، غير أن هناك ندما معلنا على هذا التقريب، نتذكر تصريحات الأمير الكبير الراحل نايف بن عبدالعزيز في حواره مع صحيفة السياسة الكويتية في عام 2003، قالها صراحة إنهم سبب كل المشكلات، والسعودية حمت أهلهم وعائلاتهم وآوتهم، غير أنهم قلبوا عليها ظهر المجن وأرادوا الوصول إلى الحكم. لقد كانت غايتهم سياسية، لم يكن الإخوان يوماً حزباً يهتم بالدين للدين، بل يستخدم الدين ولا يخدمه بالمرة.


أراد أنور السادات - "الرئيس المؤمن" كما يعبّرون عنه - أن يقوم بإعادة المصالحة مع التيارات الأصولية، ونقرأ تاريخياً أنه شجع الأنشطة الأصولية من خلال المؤسسة الحديثة في الدولة ووسّع التعليم الديني، وعمل على زيادة البرامج الإسلامية التي تعرض في التلفزيون المملوك للدولة، بالإضافة إلى بناء المساجد مستعيناً بالتمويل الحكومي.


يشير سكوت في كتابه آنف الذكر: "دعمت أجهزة الاستخبارات المحلية أيام السادات طوال فترة السبعينيات من القرن الماضي شبكةً تضم مجموعات الطلاب الإسلاميين داخل مقار الجامعات المصرية، فمن أحد الجوانب كان الهدف من هذه السياسات توفير أساسٍ جديد للسلطة لمصلحة نظام الحكم، أساس متأصل في التقليد الديني، وليس القومية العربية أو العلمانية، ومن جانبٍ آخر سعى إلى تقريب الإسلاميين من أجل توفير توازن للتأثير المستمر من قبل اليسار العلماني داخل السياسة المصرية".


أنموذج السادات هو الأكثر وضوحاً، بل باتت التجربة الفاقعة على خطر تقريب الأصوليين أو الثقة بهم، في 6 أكتوبر اغتالت يد الأصولية أنور السادات (الرئيس المؤمن) الذي قربهم كما لم يفعل أحد من ضباط الثورة من جيله، وضح الدرس: "الأصولية لا أمان لها، إنهم يستبيحون كل شيء".


من هنا أرى أن رهان بعض الدول الإقليمية الشقيقة والصديقة على تقريب الإخوان هو لعب بالنار، ولهم في من سبقهم أسوةٌ حسنة، وتلك أمة قد خلت، بين أيديكم دروسها الماثلة أمامكم، والتي لم يجف حبرها في سطور التاريخ.
&