مساعد العصيمي

كان احتفالا مهيبا لتنصيب الرئيس إردوغان، لم يقلل منه إلا كثرة الأصوات التي ترفع عقيرتها بالشكوى، تلك التي تصدر من داخل تركيا وتشير إلى أن بلاد الأناضول قد عادت لحكم الرجل الواحد، مذكرة بالسلاطين والخلفاء العثمانيين.


وهم حتى إن قالوا ذلك فلن ينكر عاقل أن إردوغان سياسي محنك واقتصادي ذكي ورجل دولة يمسك بكل الخيوط حتى خلال أعتى الأزمات، نقل تركيا من الكساد إلى الرخاء، وجعل للعملة التركية شأنا مصرفيا عاليا بعد أن كانت من سقط المال وضعف المردود، كل شيء أراده هذا الرجل قد حققه، حتى معارضوه منحوه لقب "المتفرد بالقرار".


ولكن وفق نظر كثيرين بعد مغامراته السياسية الكثيرة وبحثه عن الألقاب والزعامة لم يبق لهذا المناضل إلا لقبان اثنان كي يكمل مسيرة الإنجازت التاريخية -على حد رأي إخواننا في الكورة- أحدهما مضمون، والآخر أمامه الدستور والتاريخ وصورة أتاتورك التي تثير الرعب في كل من يحيد عن مبادئ الجمهورية! وكلاهما يشتركان في أن دونهما حاجزين، الأول نفسي والثاني سياسي، ما نعنيه بالثاني هو لقب السلطان أو الخليفة. أو ليست تركيا هي من قاد العالم الإسلامي نحو ستة قرون بمسمى واحد هو السلطان؟ خليفة المسلمين؟! لذا يحلم إردوغان أن يستعيد الأمجاد لقيادة حتى لو بعض العالم، أو حتى قليل من الدول.


الرجل الذي يتنقل من مكان لآخر بتوجهات مختلفة بين الإسلاميين كزعيم أكبر حزب ديني وبين الأوروبيين بإلحاح أن يكون من أهلهم، هوية وأيديولوجية واقتصادا -وإن كان لم يتسن له- وبين المتنازعين السياسيين في العراق والشام وفلسطين وحتى مصر وشمال أفريقيا كصاحب مبادئ سياسية يجب أن تتبع؛ يستحق أن يكون السلطان بلا منازع. أليس نصير غزة وفي الوقت نفسه حليف إسرائيل، رغم أنه المطالب الأكبر بردع إسرائيل وأسلحتها هناك! بل إنه المنادي الأول بطرد بشار والقضاء على زمرته، وهو في الوقت ذاته قابع في أحضان إيران مغطيا عينيه بشادور عما تفعله وذراعها في لبنان حزب الله بالسوريين العزل.


لكن ماذا عن اللقب الأول وهو لقب المرشد العام للإخوان، وأجزم بأنه مضمون ولن يعيقه من هم على شاكلة راشد الغنوشي الذي بات يعتقد أنه هو المرشد بعد بديع؟ والأكيد أن مواصفاته لا تفي بذلك! ومع أن المنطق يفرض أن يخشى إردوغان لقب المرشد العام إلا أنه يجب أن يفعل. ومصدر الخشية أن يكون هذا الشرف وبالا عليه، فتاريخ من تسنموا المنصب كان كارثيا أو تعيسا، فمنهم من سجن وقتل ومن قضى نحبه يتوسل الحكام، ومنهم من ينتظر تنفيذ حُكم بالإعدام، فشؤم المنصب قد يمحق الألقاب التي تسبقه.


يبدو أنني تجاوزت قدري بنصح الخليفة السلطان الرئيس المرشد العام إردوغان! لكن هي للتذكير ما دام أن لقب السلطان لن يتسنى له في ظل علمانية تركيا وعدم القدرة على الخروج عن مبادئ أتاتورك. ومع ذلك لن تعجزنا مناداته بعض الوقت بـ"سماحة المرشد السلطان" رغم أن في ذلك التفافا على العلمانية، لأن منافحيها بالتأكيد سيقرنون السلطنة بالإرشاد. أو ليس كلاهما من مقامات الردح؟