علي العنزي

منذ أن قادت الولايات المتحدة الأميركية الحملة على تنظيم داعش، والعالم يراقب ووسائل الإعلام تنقل كل ما يدور في العالم عنه، إذ أصبح الخبر الأول في وسائل الإعلام، وعُقدت المؤتمرات ونُفذت الزيارات الرسمية، وكلها تصب في إيجاد سبل وحلول لمكافحة ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش)، التي أصبحت المهدد الرئيس لاستقرار المنطقة والعالم، من خلال سيطرتها على أراضي واسعة في العراق وسورية، وإلغائها الحدود بينهما، وإعلانها قيام دولة الخلافة.

&

جميع هذه المعطيات، إضافة إلى قيامها بإعدام الصحافيين الأميركيين وعامل الإغاثة البريطاني، جعلها مستهدفة من دول العام كافة، فدعت الولايات المتحدة إلى تحالف دولي ليس لمحاربة «داعش»، بل القضاء عليه، بحسب ما يردده مسؤولوها، وهنا يتساءل المحللون: ما استراتيجية الإدارة الأميركية وما أهدافها ومدى قدرتها على القضاء على هذا التنظيم؟ وهل التحالف القائم سيستمر أم أنه موقت؟ وما المدة المطلوبة للقضاء عليه؟

&

إن استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة «داعش»، وبحسب ما تعلنه في وسائل الإعلام، تقوم بالدرجة الأولى على بناء تحالف دولي، وتقدم الولايات المتحدة الأميركية الدعم الجوي واللوجستي، لهذا التحالف من خلال الضربات المستمرة والقوية، بطائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار، والتي تستهدف الأفراد والقادة، أما قوات الدعم الأرضي، فيقوم به الجيش العراقي وقوات البشمركة، مع العمل على إنشاء قوات حرس وطني في المناطق السنية من العشائر، وكأنها تحاكي إنشاء الصحوات التي قضت على تنظيم القاعدة إبان الاحتلال الأميركي للعراق.

&

أما في سورية، فأعلنت الولايات المتحدة الأميركية أنها ستضرب مراكز تجمعات «داعش» جواً، ومن دون التنسيق أو أخذ إذن من النظام السوري، وستدرِّب المعارضة المعتدلة وتزوِّدها بالأسلحة؛ للقضاء على هذا التنظيم، فهي لا تريد أن تعطي أي دور للنظام في محاربته، لذلك من الواضح أن الحرب على «داعش» ستكون من خلال ضربات مستمرة وقوية، وليست صدمة، وستأخذ العملية سنوات طويلة، يمكن أن تمتد إلى عقد من الزمان، بحسب تصريحات الرئيس الأميركي أوباما، وأعضاء إدارته. لكن العديد من القادة العسكريين، وعلى رأسهم رئيس الأركان الجنرال ديمبسي، يقولون إنه من دون وجود قوات على الأرض لن تنتهي المهمة، ولن تستطيع الضربات الجوية أن تقضي على «داعش»، وهو ما جعل الرئيس يؤكد مرة أخرى، وخلال زيارته لقاعدة تامبا بفلوريدا، أنه لن يرسل قوات مقاتلة برية إلى كل من العراق وسورية.

&

بالنظر إلى الاستراتيجية الأميركية يرى العديد من المحللين والخبراء أنها ناقصة، بسبب الاعتماد على الضربات الجوية فقط أميركياً، فالجيش العراقي لم يستطع الصمود أمام «داعش» في الموصل، وكذلك البشمركة، وتدريب المعارضة السورية وتسليحها، وبحسب ما يذكره المسؤولون الأميركيون سيأخذان وقتاً ليس بقصير، وبالعودة إلى الاستراتيجية الأميركية في محاربة «القاعدة» في باكستان وأفغانستان واليمن، لم تستطع الولايات المتحدة أن تقضي عليها وطالبان في هذه الدول، والدليل أن العمليات الجوية مستمرة حتى اليوم في هذه الدول، وطالبان لا تزال موجودة، و«القاعدة» كذلك في اليمن، لذلك نرى أن الاستراتيجية من الناحية العسكرية لن تؤدي المهمة بشكل كامل.

&

أما من الناحية السياسية فهناك بعض التباينات التي بدأت تظهر بين أعضاء التحالف، فمثلاً فرنسا تشارك في ضرب «داعش» في العراق، ولكنها تريد قراراً من مجلس الأمن لضربها في سورية، والعراق يريد التنسيق مع سورية، وأرسل مستشار رئيس الوزراء للأمن القومي فالح الفياض إلى سورية، وروسيا حضرت مؤتمر باريس، وتؤيد محاربة «داعش» وتعارض الاستراتيجية، وتدعو للحصول على قرار أممي، وتركيا ترفض الاشتراك بقوات أو دعم بري، بينما تفكر في إنشاء مناطق عازلة بينها وبين كل من العراق وسورية، وألمانيا مترددة في الاشتراك بفعالية، ومصر -وهي لاعب رئيس في مكافحة الإرهاب- لها بعض المآخذ على الاستراتيجية الأميركية، لذلك يبدو للعديد من المحللين أن الاستراتيجية الأميركية لمحاربة هذا التنظيم لا تزال في مرحلة التطور والتموضع، ويمكن أن تتحور وتتغير خلال تنفيذها أو الإعداد لتنفيذها.

&

يبدو أن محاربة «داعش» هو أحد أدوات الصراع الدولي على المنطقة، فسياسة المحاور والتحالفات بدأت تتشكل بشكل واضح بين محورين رئيسين، الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، فمن أوكرانيا إلى بحر الصين، مروراً بالشرق الأوسط، اللاعبون الكبار في العالم يصفون حساباتهم على حساب بقية الشعوب، وعلى أرض الشرق الأوسط، وبالتحديد على الأراضي العربية. والسؤال هو: هل الصراع من أجل المنطقة أو على المنطقة؟ فنرى تشكل علاقات جديدة، فمصر توقع مبدئياً مع روسيا على صفقة تساوي 3.5 بليون دولار، والاهتمام الزائد الذي أولته روسيا لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لها، وثناء بوتين على مواقفه لإنقاذه مصر من الفوضى، وانعكاسها على العلاقات الأميركية-المصرية، وكذلك التنافس الأميركي-الروسي في العراق، والتنسيق الروسي-الإيراني في العراق وسورية، لذلك يرى المحللون أن الولايات المتحدة استدركت تأخرها في معالجة قضايا المنطقة أو التدخل الفعال في حلها، والعودة إلى المنطقة بقوة، فهي تسرعت في خروجها من العراق عسكرياً، ووعدها للشعب الأميركي بعدم العودة إليه كان أيضاً متسرعاً، لذلك أصبحت تهدد وبقوة بأنها مستعدة لضرب الأهداف في سورية من دون تنسيق مع النظام السوري وفي حال تعرض طائراتها ستدمر دفاعاته الجوية، وكذلك عدم الالتفات إلى مجلس الأمن الدولي لأخذ قرار دولي، كل ذلك يؤكد أن أميركا تحاول العودة للمنطقة بقوة.

&

يبدو أن مستقبل المنطقة يتشكل على ضوء محاربة «داعش»، ومحاربة فكرها، وعلينا أن نتذكر أن السعودية هي أول من دعا إلى محاربة الإرهاب، وعقدت مؤتمراً دولياً على أرضها وأنشأت مركزاً دولياً لهذا الغرض، وتبرعت بمئة مليون دولار لدعم المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وأخذت على المجتمع الدولي عدم اهتمامه بدعوتها، وكذلك كانت هي من نصح الإدارة الأميركية عام 2003، عندما قررت احتلال العراق وإسقاط نظامه السياسي، بعدم الإخلال بالتوازن السياسي والاجتماعي في العراق، ولكن تجاهلت الإدارة الأميركية في ذلك الحين نصحها.

&

والسؤال هو: ما الانعكاسات السياسية لمحاربة «داعش» على المنطقة؟ وهل هو تحالف أو تفاهم؟
&