ثريا شاهين


وقّع لبنان بيان جدّة المتّصل بمكافحة الإرهاب لا سيما تنظيم «داعش». كما شارك في مؤتمر باريس لمكافحة «داعش» ودعم العراق من كافة النواحي، لكن كيف يفسّر موقف لبنان هذا؟

تؤكد مصادر ديبلوماسية أنّ موقف لبنان متوازن، وتوازنه بين اعتبارات عدّة نظراً لحساسية الوضع، ولعل أبرزها:

- ضرورة مكافحة التطرّف والإرهاب التكفيري، خصوصاً «داعش»، ولبنان يقف مع أي جهد دولي أو عربي في هذا المجال. ولبنان هو من أولى الدول التي كافحت الإرهاب وما زالت تكافحه. ولبنان لن يقف حائلاً دون التعاون مع الجهات التي تحاربه، من دون أن ينضم إلى حلف دولي ضدّ حلف دولي آخر. لبنان شارك كوزارة خارجية في المؤتمرين، ووقّع على بيان جدّة، وهو الذي صدر عن وزراء خارجية مجتمعين التزاماً منهم بمكافحة إرهاب «داعش». وهذا التوقيع لا يُعد توقيعاً على معاهدة لبناء تحالف مثل تحالف «الناتو». ذلك أنّ الأحلاف تتجسّد في معاهدات يجري توقيعها بين الأعضاء، إنّما ما جرى هو التوقيع على بيان صدر هناك تم التوافق على مضمونه من جانب مَن وقّع عليه.

- لبنان ملتزم بمكافحة الإرهاب ولم تطلب منه أي جهة أن يلتزم بشيء ما، فقط الالتزام بمكافحة الإرهاب، وهو في الأساس يكافحه ويطبق القرارات الدولية السابقة ذات الصلة بالقاعدة، أي 2076 و1373، والآن القرار 2170 ذا الصلة بـ»داعش».

- إنّ أي تحالف مع الولايات المتحدة أو مع غيرها من الدول، يلزمه نقاش في مجلس الوزراء وقرار يتخذه المجلس، لأنّ ذلك يتطلّب قراراً سياسياً ويلزم تنفيذه تفاصيل تقنية. حتى أنّ أي استكمال لبحث ما في ما يتصل بالتوقيع على بيان جدّة يلزمه متابعة في مجلس الوزراء.

كل ذلك، وفقاً للمصادر، يعني أنّ لبنان منخرط في مكافحة الإرهاب، وعملياً هو ما قام به، من خلال معركة عرسال ومراقبته الأمنية لأي مشتبه به داخل أراضيه. كما أنّ لبنان يقبل مساعدات عسكرية لجيشه وقوّاته الأمنية تعزّز قدراته وتمكّنه من مجابهة أي تطوّر في هذا الموضوع. إنّ لبنان أيضاً يقبل بالمشاركة من حيث المبدأ، بجبهة أوسع لمكافحة الإرهاب.

إنّما في الوقت نفسه، لا يتمكن لبنان من تجاهل مسألة أنّ سوريا وإيران تمّ استبعادهما من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وأنّه بات لديهما تحفّظ على هذا التحالف. وقد وجد لبنان حلاً لذلك بالقول بما معناه، إنه منخرط في جبهة أوسع لكن ضمن احترام سيادة الدول، وأنّ ضرب الإرهاب في الدول منوط بالحكومات الشرعية، وأنّه يجب أن تكون كل الدول مشمولة بمكافحته، وأن لا تستثني أي دولة. إنّه موقف وسطي تمّ إيجاده لتلافي الإحراج مع أي جهة، وللقول إنّ لبنان منخرط مع الجبهة الأوسع لكن من ضمن السيادة. كما أنّ لبنان يعتبر أنّه في حال حصل مثل معركة عرسال، فلن يقبل بأي عمل خارجي لمكافحة الأمر من دون الأخذ في الاعتبار سيادته.

من الواضح أنّ «حزب الله» راضٍ وغير راضٍ في آن معاً على التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب. راضٍ لأنّ الجميع ضدّ الإرهاب، وغير راضٍ لأنّه يخشى أن تكون هذه العملية تندرج في إطار أكبر مما يُحكى عنه، وأن تؤدي إلى أمور غير محسومة. كما أنّه يخشى من اختلال التوازنات داخل كل من العراق وسوريا، بحيث تشكّل مساعدة التحالف الدولي ضدّ الإرهاب، حسم الأمور لغير صالح إيران، وكذلك حسم الأمور في سوريا لغير صالح النظام و»حزب الله» وإيران. إنّ حركة التحالف في المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب هي نوع من الوجود الغربي المتجدّد فيها، ضمن صلاحيات كبيرة ولم تنتج عن قرار صادر عن مجلس الأمن.

لكن المصادر تشير إلى أنّ محاربة «داعش» مسألة ستأخذ وقتاً إلاّ أنّ المجتمع الدولي يدرك تماماً أنّه في النهاية سيتمكن من القضاء عليه. روسيا وإيران والصين وسوريا و»حزب الله» يراقبون الخطوات الدولية لا سيما الأميركية في هذا المجال وسط شكوك لديهم من إمكان القضاء على هذا التنظيم، وحول مدى محاربته الفعلية.
&