عبير الفوزان

شوارع الرياض وقت الذروة لا تطاق، ولولا هواتفنا الذكية وتنقلنا بين تطبيق وآخر، تارة «توتير»، وتارة أخرى «أنستغرام»، وبينها مرور على «واتساب» لتحول الازدحام إلى جحيم حقيقي، لكن ما يؤسف أن هذه الزحمة تسرق وقتك وعمرك، فتخيل أن تقضي ساعة ونصف الساعة في السيارة لمشوار يفترض ألا يأخذ منك سوى 20 دقيقة أو أقل، تخيل يُسرق من عمرك يومياً ساعة كاملة وأنت في السيارة، أي أكثر من يوم من عمرك يضيع شهرياً بين السيارات وإشارات المرور، ناهيك عن الأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، بسبب الازدحام والتأخير. الازدحام ليس مشكلة عابرة أو وقتية، بل مشكلة عويصة تنمو وتكبر مثل كرة الثلج.

&

في بداية إجازة الأسبوع قررت أنا وصديقتي أن نلتقي، ولاسيما أني عائدة للتو من إسطنبول فرأت صديقتي أن تدعوني على الغداء، ثم على القهوة لتأخذ علومي الغانمة وأخبار إسطنبول في «سبتمبر». وبدلاً من أن أحكي لها عن إسطنبول الجديدة التي رأيتها، وجدتني أحكي لها عن مغامرتي مع الازدحام في إسطنبول، وأنا وهي عالقتان في ازدحام طريق الملك فهد.

&

لا شك أن هناك مدناً تتشارك في الجمال، أو في المعضلات كذلك الرياض وإسطنبول يتشاركان في الازدحام، فلو قررت -مثلاً- أن تسافر إلى إسطنبول ثلاثة أيام مجدولة فعليك أن تضيف يوماً رابعاً، لأن هذا اليوم هو الضائع في الازدحام، إلاّ إذا تحايلت عليه واستفدت من تجربتي، وهي أن تستخدم جميع أنواع المواصلات لتصل كما خططت.

&

كانت الساعة الثامنة مساء في إسطنبول وأنا أتناول قهوتي التركية بمهل عند حافظ مصطفى وأتلذذ بمذاق كنافتهم الساخنة، عندما رن جوالي لتخبرني الزميلة التركية أن العشاء سيكون في التاسعة تماماً، وتحرِّصنا على التحرك سريعاً. لملمنا حاجاتنا بتمهل، وركبنا سيارة الأجرة وأخبرناه منطقة البشتكاش المطلة على مضيق البوسفور، فندق رافلز. كانت الساعة ثمان وربع، وتوقعت أن يكون الوصول خلال ثلث ساعة مثل مشوار القدوم من الفندق نفسه إلى محل حافظ مصطفى، لكن السائق أخبرنا بأن الطريق إلى هناك يستغرق ساعتين بسبب الازدحام، لأن هذا الوقت يعد وقت الذروة نهاية الأسبوع، إضافة إلى مباراة و... و.. ، للمرة الأولى أتمنى لو كنتُ ليدي غاغا التي جاءت من مطار إسطنبول بواسطة طائرة هيلكوبترعلى مهبط فندق رافلز الذي كنا سنتجه إليه، لكن ما كل ما يتمنى المرء يطير إليه. ولكي يساعدنا سائق سيارة الأجرة اقترح أن يُوصلنا إلى ربع الطريق، ثم نمشي إلى المترو، لنتوقف في محطة قريبة من منطقة البشتكاش، ثم نأخذ سيارة أخرى توصلنا إلى الفندق. كنت أتصور أن يأخذ منا هذا التبديل وقتاً أطول، لكني كنت مضطرة إلى أن أمر بهذا القلق التركي بعد تنصل السائق من أن يزج نفسه في زحمة الطريق. ومن حسن الحظ أني بعدما وصلت إلى محطة المترو أعدت السؤال على رجل الأمن الذي يقف هناك عن المحطة الملائمة وهل هي التي أوصى بها سائق الأجرة الهارب، لكنه أخبرني أن عليَّ أن أتوقف في محطة (قايتباي) التي تقع تقريباً في « زولو مول»، استقللنا المترو قاهر الازدحام والإشارات والحوادث، ومررنا بمحطة تلو الأخرى، إلى أن وصلنا إلى «قايتباي»، ولا أعلم لماذا سمَّوها بذلك وهو السلطان الذي دخل في حروب مع العثمانيين، صعدنا السلالم الكهربائية، ثم مررنا بممرات كهربائية متحركة بمسافة 450 متراً. وصلنا إلى «زولو مول» ومن خلاله دلفنا إلى فندق رافلز. ولما نظرت إلى الساعة كانت التاسعة إلاّ ربعاً، للمرة الأولى أنتصر على الزحام.

&

في السيارة، في الرياض أخبرت صديقتي عن تجربتي ذلك المساء، فقلت لها: لو كان لدينا مترو لتغلبنا على الزحام ووصلنا أسرع. قالت: «وش معجلك، تبغينا نركب ونبدل من سيارة إلى مترو ومن مترو لسيارة، ونمشى على أقدامنا. لا والله السيارة والزحمة أرحم من الشحططة»! لا أعرف، ربما صديقتي التي عزمتني على الغداء على حق؛ لأنها لا تفضل الشحططة، وتجزم أن مترو الرياض القادم لن يستقله إلاّ العمالة ورواد حافلات (العليا - دلة)، لكن، يا صديقتي.. من يعوضنا عن أعمارنا التي تُسرق منا يومياً في زحمة الرياض؟
&