علي سعد الموسى

كان العرب قبل عبدالله بن عبدالعزيز "يعرضون" بالسيف، لكنه كان أيضاً أول من علَّم هذا السيف أن يستعرض ويرقص، وذات مرة شاردة تجرأ هذا السيف على جرح "الإصبعين" اللتين طالما رقص بينهما.. مثلما تجرأ أيضاً أن يجرح باطن ذلك الكف الأبيض الذي حوَّل هذا "السيف" إلى شيء يشبه "البارق" الأبيض في ناقة سوداء منتصف ليل مظلم، وأنا أعني هذا الوصف تماماً لأنه بالضبط: بارق عبدالله بن عبدالعزيز.


كلنا سيكتب مطولات رثاء وتأبين وتعزية يشابه بعضها بعضا حذو الكلمة بالكلمة، والجملة بالجملة، ولكننا في زحمة هذا الحزن الأسود نسينا اليتيم الكليم الذي يبكي الآن في "خزانة" عبدالله بن عبدالعزيز دون أن يلتفت إليه أحد أو يواسيه أو يعزيه فرد: إنه السيف.

هو السيف ذاته الذي يبكي اليوم رحيل الفارس الذي كان يركب الخيل في شبابه بلا سرج، إنه السيف ذاته الذي يبكي خطأه التاريخي حين تجرأ على جرح إصبعين كانتا ترفعانه فوق الرأس لمترين، ثم يعود لكف فارسه بثلاث أصابع. هو السيف ذاته الذي يعرف من تاريخنا العربي الأصيل أن الفارس لا يكذب، أن الفارس لا يخون، أن الفارس لا يغضب، أن الفارس لا يحقد، أن الفارس لا يستعلي ولا يتكبر، أن الفارس لا يظلم، أن الفارس لا يكره، أن الفارس هو العدل والإنصاف والأبوة والمحبة، هو السيف ذاته الذي اختار عبدالله بن عبدالعزيز، لأنه رأى فيه كل صفات هذا الفارس من بين هذه الملايين.


رحل عبدالله بن عبدالعزيز وترك لنا كل نبيل حميد من أوصافه، ولكن ذروة مكارم الأخلاق هي روح الفارس بكل الوصف لشروط وأركان الفروسية. لا تحتاج ذكرى عبدالله بن عبدالعزيز إلى متحف، لأنه بنى في كل قلب من قلوب شعبه متحفاً تاريخياً لن يغلق بابه إلا بموت الطفل الأخير الذي نبض قلبه "حياة" مع فارس مثل عبدالله بن عبدالعزيز. لا يحتاج إلى معرض لتخليد صورته لأن العقال المائل ومشهد المشلح الملموم على الكتفين وفوقهما "سيف" يبرق في السماء، هي آخر ما سيبقى بين الجفن وسطح العين من شعب يودع صفات "الفارس".

ولإخواني وأخواتي من أبناء عبدالله بن عبدالعزيز: انقلوا عزائي الحار للمهمل الباكي في "خزانة" هذا الفارس. لسيف عبدالله بن عبدالعزيز.