&علي بن حمد الخشيبان

عندما هاجمت أميركا العراق في مارس من العام 2003م ظن العرب أن أميركا تخلصهم من رئيس العراق الرئيس صدام حسين، ولكن الأهداف لم تكن بهذه السذاجة، فقد تركت أميركا العراق يعيش في فوضى مؤلمة من السلب والنهب على طريقة أفلام هوليود الأميركية، وعندما هدأت المعارك اشغل الاميركيون العالم بالبحث عن صدام حسين وملاحقة حزب البعث في العراق، وفي تلك اللحظات كانت ايران تتسلم مفاتيح بغداد بعيدا عن الأعين وبطريقة سياسية من (بريمر) الذي كان في تلك الفترة رئيسا أميركيا لدولة عربية.

لقد ساهم الخلط بين المعطيات الأيديولوجية (المعتقدات) والمعطيات السياسية والمعطيات الاقتصادية والمعطيات الاستراتيجية، في عدم الفهم الحقيقي للمشكلات التي تعاني منها الدول العربية
اقتنصت ايران الفرصة ليس لبراعتها ولكن رغبة من أميركا في أن تملأ ايران العراق بأيديولوجياتها، بهدف بناء جدار مذهبي متين يستطيع مساعدة أميركا في المراحل القادمة من الخطط الغربية في المنطقة، وهذا ما سوف تحتاجه أميركا في مرحلة لاحقة من مخططها الاستراتيجي، في شهر ديسمبر من العام 2003م القت القوات الاميركية القبض على صدام حسين الذي اعدم بعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ، في تلك اللحظات بدأت الخطط الغربية تتكشف في المنطقة واحدة بعد الأخرى.

الحقيقة التاريخية التي يجب أن ندركها أن العالم كله مساحة مفتوحة للدول القوية كي تتنافس فيها وتزرع لها اهدافا ومصالح طويلة وقصيرة الاجل بحسب الاحتياج، هذه الحقيقة تستوجب أيضا الحديث عن حقيقة أخرى تتمثل في الوجود الإسرائيلي في المنطقة وإسرائيل كدولة واليهود كشعب لديهم السيطرة الكاملة على كل مفاصل الاقتصاد والسياسة العالمية في معظم دول العالم.

العرب هنا امام حقيقتين هما: قوة الغرب الباحث عن مصالحه السياسية والاستراتيجية على اعتبار أن المنطقة العربية مهمة في إحداث التوازن العالمي بالنسبة الى هذه الدول ومصالحها الاستراتيجية، ثانيا: وجود دولة محتلة في ارضهم متمثلة في إسرائيل وتقتطع جزءا من الأرض العربية تحت ذريعة تاريخية، كما تتميز هذه الدولة بقدراتها التي أدت الى تأييد مطلق من دول الغرب بأكملها وبطريقة خيالية فعلى سبيل المثال لايمكن أن يحكم أميركا رئيس لا يؤيد إسرائيل تأييدا مطلقا وبلا شروط.

هذه الحقائق ينقصها الكثير من القراءة الواقعية في السياسة العربية، نحن العرب تحديدا لدينا إشكالية في تحديد الأسباب الحقيقية لمشكلاتنا التي تدعو الغرب بجميع دوله لكي يضعنا في جملة أهدافه الاستراتيجية، نحن العرب لدينا تفسيرات متفاوتة لسبب وجود الغرب في منطقتنا، والمشكلة الأكبر أن هناك تداخلا كبيرا بين مجموعة الأسباب التي نتخذها لمعرفة كوننا منطقة مهمة في العالم وكوننا هدفا واضحا لتلك الدول.

لقد ساهم الخلط بين المعطيات الأيديولوجية (المعتقدات) والمعطيات السياسية والمعطيات الاقتصادية والمعطيات الاستراتيجية، في عدم الفهم الحقيقي للمشكلات التي تعاني منها الدول العربية وفي عدم القدرة على ترتيب هذه المعطيات بحسب أولوياتها، فمنذ الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية ومشكلتنا تكمن في الإجابة عن سؤال استراتيجي حول استهدافنا وأسبابه..؟

في ديسمبر من العام 2010م انطلقت الثورة التونسية حيث كانت البداية لسلسلة من الثورات العربية التي جعلت خمس دول عربية في حالة فوضى سياسية، وهذه الدول بما فيها من فوضى كافية للتأثير على بقية الدول العربية وإمكانية نقل ذات الأفكار الثورية اليها بطرق متعددة، انطلاقة هذه الثورات تعيد طرح ذات السؤال حول إمكانية تقديم العرب لأفكار سياسية وقائية، ومع أن ذلك مستحيل كون العرب ودولهم تشكل في حقيقتها مجموعة من الأفكار السياسية المتناقضة التي يصعب التوفيق بينها.

أسئلة كبرى فتحتها الثورات العربية وذهب المفكرون والمثقفون الى سرد مجموعة من التبريرات المختلفة حول الأسباب التي تقف خلف هذه الثورات، ولكن الأسئلة الواقعية والتاريخية لهذه الثورات لم تطرح بعد، اقسى ما يمكن أن يتعلمه العرب هو درس التاريخ فالعرب هم من الأمم التي أهملت التاريخ وهذا ليس جلدا للذات ولكنه حقيقة مؤلمة مسطرة على جدارنا الفكري منذ زمن بعيد.

كثرت التفسيرات حول واقعنا فالعرب القوميون ينسبون الازمة الى ضعف القومية العربية وتهاوي مؤشراتها، والإسلاميون الذين ولدوا بشكل سياسي بعد انشاء جماعة الإخوان المسلمين في بداية القرن الماضي ينسبون الازمة الى ضعف الايمان وقلة مشاركة المؤمنين في إدارة شؤون الحياة العامة، المتطرفون والإرهابيون وجماعاتهم ينسبون الازمة الى ضعف الارتباط بين السياسة وتراجع المسلمين عن فكرة الجهاد الداعية الى محاربة غير المسلمين في العالم، الفئة الأخيرة خليط من العرب لايمكن فهمه تختلط فيه مفاهيم قومية وإسلامية وطائفية ومذهبية ومصالح اقتصادية وسياسية.

الفرد العربي المسكين اصبح امام معضلة تاريخية في تعريف نفسه وماذا يريد..؟ وأصبح الغرب والهجرة الى بلاد غير عربية مطلبا للكثير من العرب بحثا عن حياة افضل وأوطان بديلة، اما من بقي من العرب في دياره فعليه أن يكون إما قوميا، أو إخوانيا، أو إسلاميا متطرفا، أو انتهازيا ماكرا، لقد قطعت أوصال الفكر العربي بهذه التجاذبات التاريخية الخطيرة ولم يبق سوى فئات قليلة غير مؤثرة تدرك ما الذي يجري من حولها.

الغرب وإسرائيل وغيرهم من المتنافسين على المنطقة العربية استطاعوا أن يقرأوا هذه التناقضات التي صنعت شعوبا عربية متناحرة سياسيا وفكريا، وكل مجموعة من هذه المجموعات تحاول قدر المستطاع أن تكسب العدد الأكبر من المؤيدين لها وهكذا فقد العرب انفسهم متناقضين وسوف يبقون كذلك لفترة ليست بالقصيرة.

اليوم وبعد اكثر من خمس سنوات على قيام الفوضى التي اجتاحت العالم العربي يبقى السؤال المهم ماذا بقى للعرب..؟

هذا هو اخطر سؤال تواجهه القيادات العربية المتبقية لأن الإجابة تحتاج الى تضحية سياسية كبرى لايمكن تأجيلها، العالم العربي بحاجة الى تجاوز حقيقي لكل أفكاره القومية والإسلامية الإخوانية والأفكار المتطرفة ولكن هذا لن يحدث قبل أن يتم إعادة بناء الشعوب وفق منظومات فكرية جديدة.

لن تتغير خارطة العالم العربي الفكرية والثقافية والسياسية ما دامت تحتضن في حدودها قومية وتعصبا دينيا وتطرفا وإرهابا.

البقاء على قيد الحياة في هذا العالم اصبح صعبا للغاية أمام مايحدث من حولنا من أزمات وهذا ما يتطلب جرأة سياسية لكل دولة على حدة من اجل إنقاذ نفسها قبل الاخرين فكما يبدو من الحالة العربية أن الشمس سوف تشرق على صورة مختلفة للحالة العربية قريبا..

بناء القوة الذاتية للدول فكريا وثقافيا وسياسيا بالتركيز على التنمية والتعليم والصحة والدخول في تحالفات محلية ودولية مضمونة والبعد عن التدخل في المشكلات الإقليمية وتجاوز الماضي بمؤثراته قد تكون هي الطريق الوحيد المتاح امام هذا العالم العربي بكل مكوناته.