عبدالله العسكر

يقول السياق التاريخي إن العلاقات بين البلدين مرت بحقب من الود والانفتاح والتعاون، لكن تلك الحِقب تخللتها أوقات عصيبة تردت فيها العلاقات إلى حد الاحتقان. لكن العلاقات بين البلدين لم تصل إلى حد التوتر العالي كما وصلت مع الحرب العراقية - الإيرانية، أو كما تمر به الآن من توترات عالية. أكاد أقول إن هذه أعلى درجات التوتر بين المملكة وإيران منذ إقامة العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين.

تاريخ إيران الحديث يشير إلى أنها لا تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة، بل هي تفضل أن يُقاتل عنها حلفاؤها من شيعة العرب والباكستان وأفغانستان. وهي تعرف أن أي مواجهة مع المملكة قد تخسرها
يجادل كلا البلدين حول صحة منطلقاته، لكن وبنظرة موضوعية ومتأنية نجد أن إيران زادت من نشاطها العسكري في المنطقة العربية، وخصوصاً في منطقة الخليج العربي، ولعل هذا التزايد الملحوظ جاء بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب. وفي المقابل لا نجد تصعيدًا ذا بال من قِبل المملكة العربية السعودية. وعليَ أن أقرر بصورة واضحة أن قلق المملكة من إيران له ما يبرره. والدليل على هذا التقرير هو التوسع الجيوسياسي الإيراني في المنطقة العربية، ويكاد هذا التوسع أن يحيط بالفضاء الجغرافي السعودي.

محاولة السيطرة الكاملة أو مد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية مثل: العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين والكويت لا يحتاج إلى دليل، فهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. وهي الآن تسيطر على الأرض في كل من العراق وسورية ومعظم لبنان. وهي تهدد أمن الكويت والبحرين، وهي تنشئ لها مليشيا عسكرية في اليمن كما فعلت في لبنان والعراق. ولا يساورني شك أن هذا النفوذ على الأرض، والسعي المحموم ينطلقان من أجندة سياسية ذات خلفية تاريخية شوفونية وبغطاء طائفي مقيت.

لهذا كله فلا أستبعد أن العلاقات السعودية - الإيرانية مرشحة لمزيد من الاحتقان وربما التوتر العالي. أجد أن الإعلام في البلدين محتقن، لكن الأخطر هو أن يتحدث المرشد الأعلى في إيران أو رئيس الحكومة أو بعض كبار المسؤولين الإيرانيين (مدنيين أو عسكريين) بصوت طائفي، وتفسيرات وتحليلات طائفية ما قد يؤجج التوترات الحالية، وربما يؤدي إلى صدام. كل المراقبين المعتدلين في العالم لم يسمعوا من المسؤولين السعوديين أي تصعيد ممزوج بطائفية أو مذهبية.

ولعل أكبر دليل على هذا القول من الحملة الشعواء التي تبناها المرشد الأعلى وكبار الساسة والعسكريين في الحكومة الإيرانية ضد المملكة بعد حادثة التدافع في مشعر منى. لم تكن الحملة مبررة إطلاقًا، ما جعل بعض المراقبين في الداخل والخارج يعدونها من تقاليد الاستهداف الطائفي الذي اعتادت حكومة إيران اعتماده عندما تواجه أزمات أو انتكاسات سياسية أو عسكرية.

وما كنتُ لأعير الطائفية الإيرانية مزيدًا من التناول، لأنها موجودة في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لقد تابعت مداولات مجلس الشورى الإيراني في الأشهر الأربعة الماضية، ومنذ بدء عاصفة الحزم، وسمعت معظم المناقشات والتحليلات، وهي ممزوجة بنفس طائفي لا يمكن تجاوزه. أما من الناحية التطبيقية للسياسة الإيرانية الطائفية فهي الأخرى تنطلق من أسس طائفية في كل مكان يصل إليه نفوذ إيران مثل: العراق وسورية ولبنان واليمن.

ومرة أخرى لا يساورني شك أن إيران تسعى من وراء حملاتها المحمومة ضد المملكة لتحجيم دور المملكة باعتبارها أكبر دولة سنية ذات ثقل ديني واقتصادي وسياسي، ولتقلل الضرر السياسي والعسكري والاقتصادي الذي ذاقت مرارته جراء عاصفة الحزم، وتبخر حلمها في السيطرة على اليمن.

تاريخ إيران الحديث يشير إلى أنها لا تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة، بل هي تفضل أن يُقاتل عنها حلفاؤها من شيعة العرب والباكستان وأفغانستان. وهي تعرف أن أي مواجهة مع المملكة قد تخسرها.

وفي هذه الأجواء المرتبكة أقترح السعي نحو اجراء حوار استراتيجي حقيقي مع إيران، يتأسس على القبول بالتنوع الديني والطائفي والعرقي، وحق تقرير المصير للشعوب، والخروج من البوتقة الطائفية التي أدخلتنا فيها إيران، وتوقف إيران عن التدخل في شؤون الآخرين أو إثارة النعرات الطائفية، التي أدت إلى صراع عبثي. مثل هذا الحوار يمكن أن يكون معقولاً بعد تراجع ظل الهيمنة الأميركية على المنطقة.

وأنا أقترح مثل هذا أعرف سلفًا أن حكومة إيران تمتهن الكذب والمراوغة.

علاقاتنا القوية والإيجابية مع إيران توقفت إلى حد كبير منذ عام 1979 عام الثورة الخمينية وسياسة تصدير الثورة. والأسئلة الصعبة كثيرة منها: هل سترعوى إيران وتقدر النية الطيبة نحو الجزيرة العربية؟

وهل الاتفاق النووي مع الغرب سيجعلها أكثر تعقلاً؟

لقد أصبحت لدينا رؤية واضحة بنيات إيران، وبدلاً من أن نحكم مسبقاً على أيّ حوارٍ مع إيران بالفشل، كما يذهب كثير من العرب، يمكننا أن نجرب، أن نلمس لمس اليد رغبة إيرانية حقيقية لمثل هذا الصنيع. وإلاّ فالمنطقة مرشحة لمزيد من الصدام. عندئذ وعندئذ فقط سيعلم القوم أي منقلب ينقلبون.