خليل حسين
&
اتخذت المفاوضات النووية الإيرانية، نوبة حراك سريع وبنوعية جديدة لجهة المشاركين فيه، أو الملفات المطروحة كالتقنية ظاهراً والمضمرة سياسياً، ففي الرابع والعشرين من الشهر الحالي، يدخل مشروع الاتفاق النووي الإيراني مرحلة الوقت الحرج لجميع الأطراف المباشرين وغير المباشرين المنخرطين في تفاصيله، وهو توقيت قاتل يمتد إلى أواخر يوليو/ حزيران المقبل، الموعد المفترض لوضع مشروع الاتفاق موضع التنفيذ من الناحية المبدئية .
&
ففي وقت تجرى المفاوضات على مستوى وزيري الخارجية بشكل مباشر، ضمت الوفود، مفاوضين ذات طبيعة تقريرية خاصة، مثل وزير الطاقة الأمريكي أرنست مونيز، وتلميذه الإيراني في سبعينات القرن الماضي رئيس وكالة الطاقة الإيرانية، ونائب الرئيس الإيراني، علي أكبر صالحي، ما يشي بأن مستوى المفاوضات وملفاتها، قد وصلت إلى نقاط تقريرية تستلزم قرارات تنفيذية .
&
إلى جانب هذه البيئة التفاوضية، ثمة مفاوضات من نوع آخر، جرت في واشنطن وسط سقوف عالية قادها رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، مع الإدارة الأمريكية، قوامها ابتزاز الولايات المتحدة، وبخاصة الرئيس باراك أوباما والكونغرس لإجهاض مشروع الاتفاق الإيراني، وإفراغه من مضمونه التقني والسياسي، في مرحلة أولى، بهدف إعادة الخيارات العسكرية إلى الواجهة، الأمر الذي يشكل حساسية مفرطة لواشنطن بشقيها الرئاسي والكونغرسي، في ظل الحاجة الأمريكية لنصر ما في هذا الملف .
&
في المبدأ، ثمة رؤية استراتيجية أمريكية "إسرائيلية" واحدة، حول الملف النووي، إلا أن الطرفين اختلفا حول الوسائل والأطر المحتملة، ومن الواضح أن "إسرائيل" جهدت في مجمل محطات المفاوضات، الضغط على الإدارة الأمريكية بمختلف مستوياتها لعدم التوصل إلى أي مرحلة تتيح لإيران مجرد امتلاك التكنولوجيا الدقيقة في هذا الإطار، علاوة على تفضيلها حسم الملف برمته عسكرياً، فيما فضلت واشنطن ضمن مجموعة (5+1) إعطاء الدبلوماسية فرصاً للتوصل إلى حل يرضي بالنتيجة "إسرائيل" تحديداً، الطرف الأساس غير المعلن فيه . وأياً يكن الموقف الأمريكي ثمة إصرار "إسرائيلي" على التشدد، وقد ظهر ذلك جلياً في مواقف بنيامين نتنياهو أمام "آيباك" و"الكونغرس" ولو بدت بلهجات مخففة لجهة اللياقات الدبلوماسية، إلا أن هذا الأخير يعتبر هذا الحراك فرصته الأخيرة، في سياق متزامن مع انتخاباته التشريعية في "إسرائيل" أولاً، وهو أمر يحتاج إليه كنصر أساسي في سياق معاركه الداخلية والانطلاق بها إلى الملفات الإقليمية ثانياً، وعلى رأسها البرنامج النووي الإيراني .&
&
مقابل ذلك، ثمة حراك أمني عسكري تقوده إيران في ساحات متعددة في الإقليم، لمراكمة أوراق القوة في عمليات التفاوض الجارية، بدءاً من انخراطها المباشر في العمليات ضد "داعش" حالياً في العراق، وهو رد واضح على واشنطن والتحالف الدولي، بأنه من يمسك القرار وهو من يتواجد على الأرض وليس في الجو، علاوة على شراكاتها في إدارة غير أزمة، كالسورية واللبنانية واليمنية، والتي شكلت هذه الأخيرة باباً استراتيجياً جديداً في لعبة الجغرافيا السياسية من باب المضائق في المنطقة، كمضيقي هرمز وباب المندب، والتلويح الإيراني بإمكانية قدرتها على فرض عقوبات مماثلة للتي تتعرض لها من خلال التحكم والسيطرة على هذه المضائق من بوابة الصادرات النفطية والغازية للغرب .
&
إلى جانب ذلك، ثمة موقف إيراني متشدد من آليات المشروع، مفاده قبول طهران، بإمكانية تقديم تنازلات مؤلمة في الجانب التقني النووي، مقابل إنهاء الحصار ضمن سلة واحدة ومتكاملة، وهو أمر يمثل حاجة اقتصادية إيرانية، بعدما تمكنت سياسة العقوبات من التأثير بشكل مباشر في القواعد الشعبية الإيرانية، وهو أمر يلزم إيران في إبراز نوع من المرونة، لكن تأمل في المقابل من ذلك، تحقيق مكاسب سياسية واضحة في الإقليم، وهو أمر تخشاه دول عربية كثيرة .
&
في أي حال من الأحوال، لم يعد الهامش الزمني المتاح لجميع الأطراف، أمراً مساعداً، بل بات عاملاً ضاغطاً لتكوين بيئة ما، لا تتيح التخلص من التواريخ المحددة مثل 24 من الجاري أو الآخر من يونيو/حزيران، بل من الممكن التوصل وكما بات متعارفاً عليه، إلى اتفاق لا يظهر كسر التوازنات القائمة، ولا يلغي مخاوف بعضهم، في موازاة عدم تسجيل نصر أو خسارة مدوية لأي من الأطراف المنخرطة في المفاوضات . وهو أمر يسعى إليه الجميع، باستثناء "إسرائيل" التي فقدت صبرها، وربما وعيها، الأمر الذي سيحرك غرائزها العدوانية باتجاهات عربية عدة، ومن بينها لبنان أو قطاع غزة، وهو أمر في مطلق الأحوال أيضاً، يعتبر كباشاً إيرانياً "إسرائيلياً"، جُرب مرات عدة منذ العام 2006 ولغاية ،2014 فهل سيكون صيف 2015 حاراً؟ إن جميع الوقائع والمواقف تشي بذلك، ما لم تحصل معجزة في العقل الباطني "الإسرائيلي"!