&نمو قوي في الخليج ومؤشرات إيجابيّة للاقتصاد المصري

&جويس كرم

&

قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، إن منطقة مجلس التعاون الخليجي «لا تزال تحقق نمواً قوياً»، إنما من المهم «زيادة التنويع الاقتصادي» مع انخفاض إيرادات النفط. واعتبرت في حديث إلى «الحياة» على هامش اجتماعات الربيع التي يعقدها الصندوق والبنك الدولي في واشنطن، أن ثمة «كثيراً من الأمور الباعثة على الأمل بعد سنوات صعبة في مصر»، منوّهة بآفاق النمو وقطاع الغاز. كذلك، رحبت بالاتفاق الإطاري بين إيران والدول الكبرى حول البرنامج النووي لطهران، مشيرة إلى إمكانية تحفيزه الاقتصاد الإقليمي والعالمي. وهنا نص الحديث:

> بالنسبة إلى الشرق الأوسط، ما الذي تأملين في تحقيقه من اجتماعات الربيع؟ وما مدى التهديد الذي تشكّله الحروب الدائرة في المنطقة للاقتصادات العالمية والإقليمية؟

- تواجه المنطقة عدداً من التحديات، فهناك الصراعات التي أشرت إليها والتي تسفر عن خسائر مأسوية متزايدة في الأرواح، وتُخلِّف آثاراً جسيمة في الاقتصاد. وتتسبب هذه الصراعات أيضاً، في زيادة الأخطار التي تهدد استقرار المنطقة، ولها انعكاسات أمنية واجتماعية واقتصادية سلبية على البلدان المجاورة. وأكثر البلدان تأثراً بالحرب السورية والعراقية، الأردن ولبنان، إذ يستضيفان معظم اللاجئين من البلدين ويتعرضان لضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية شديدة. كذلك، يصل تأثير هذه الصراعات إلى تركيا.

وعلى رغم ذلك، نشعر بالتفاؤل إزاء تحسّن النمو المتوقع لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المستوردة للنفط في 2015، بمجرد أن تؤتي الإصلاحات ثمارها ويبدأ التعافي التدريجي في منطقة اليورو. لكن من المؤسف أن هذا النمو قد يظل منخفضاً، بما لا يسمح بإحداث تغيير فارق في معدلات البطالة، كما يرجح أن تظل الثقة هشة بسبب استمرار التوترات الاجتماعية - السياسية وتداعيات الصراعات الإقليمية. وفي الوقت ذاته، تواجه معظم بلدان المنطقة المصدّرة للنفط، خسائر كبيرة في إيراداتها النفطية، ومن ثم يُتوقع أن تستمر في استخدام احتياطاتها الوقائية للحد من أثر انخفاض إيرادات الطاقة في النمو.

هذه القضايا سأناقشها مع وزراء المال ومحافظي المصارف المركزية وغيرهم من المسؤولين الذين نلتقيهم هذا الأسبوع، ومن البنود البارزة على جدول أعمالنا، البحث في كيفية مواصلة الصندوق دعم المنطقة من خلال الاستشارات السياسية وبناء القدرات، ومساعدتها في سدّ احتياجاتها التمويلية بهدف الوصول إلى نمو أعلى وأكثر استمرارية وتأثيراً في كل شرائح السكان. ورسالتي إلى الوزراء هنا، ضرورة التعجيل بتنفيذ برامج إصلاح شاملة على نحو يحقّق الحماية للفقراء ويبعث الأمل لدى الجيل الجديد.

&

دول مجلس التعاون

> ما تقويمكم لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي اليوم؟ هل تبذل هذه الدول جهداً كافياً لاحتواء الأثر المترتب على هبوط أسعار النفط؟ وما أهم التحديات التي تواجهها؟ وما نوع التعاون بين الصندوق ودول المجلس؟

- منطقة مجلس التعاون الخليجي لا تزال تحقق نمواً قوياً، وإن كان انخفاض أسعار النفط سيكون له تأثير في النمو في السنوات المقبلة. فقد حقق نموذج النمو القائم في مجلس التعاون الخليجي، نتائج اقتصادية واجتماعية قوية لعقود بالاعتماد على النفط كمصدر رئيس لدخل التصدير والمالية العامة.

غير أن هذا النموذج يشوبه بعض مواطن الضعف، ومن المهم للغاية التفكير في كيفية زيادة تنويع الاقتصاد. فمن شأن ذلك أن يخفض درجة التعرض للتقلبات وعدم اليقين في سوق النفط العالمية، ويساعد على خلق فرص عمل في القطاع الخاص، ويرفع الإنتاجية والنمو القابل للاستمرار، وكلها أمور ستصبح ضرورية بمجرد أن يبدأ نضوب الإيرادات النفطية في المستقبل.

> اتهم البعض صندوق النقد والبنك الدوليين برسم صورة وردية لاقتصادات «الربيع العربي»، من خلال زيادة التركيز على نمو إجمالي الناتج المحلي وليس على التنمية. هل تعتبرينه انتقاداً منصفاً؟ وهل ستظهر في المستقبل نماذج أكثر اعتماداً على التنمية أو الحوافز؟

- من المنظور الاقتصادي، كان «الربيع العربي» نتاجاً لتوقعات الناس في شأن زيادة الوظائف، وتحسن مستويات المعيشة، وإتاحة فرص أفضل وليس مجرد أرقام لنمو إجمالي الناتج المحلي. ولا يزال تحقيق هذه التوقعات مهمة صعبة تواجه هذه البلدان.

> هل فشلت هذه التوقعات؟

- يتطلب تحقيقها تحسين طرق الحكم وإرساء الاستقرار السياسي. بمعنى آخر، يجب تنفيذ إصلاحات اقتصادية عميقة، مثل رفع كفاءة القطاع العام، وتعزيز مرونة سوق العمل، وتحسين مناخ الأعمال، ودعم نشاط القطاع الخاص، وتأمين مزيد من الوظائف، ومن الضروري أن تعجل البلدان في وضع وتنفيذ برامج إصلاح شاملة تحمي الفقراء، وتتيح لشعوبها الأمل والرخاء. وناقشت هذه القضايا المهمة مع القادة العرب في المؤتمر الإقليمي، الذي نظمناه في عمّان العام الماضي بالتعاون مع الحكومة الأردنية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

&

مصر

> ما مدى استعداد مصر للاقتراض من الصندوق؟ وما تـقويمكم لاقتــصادها؟ هــل رأيتم مؤشرات إيجابية في شــأن النمو الاقتصادي؟ وهل بذلت مصر جهداً كافياً لمعالجة قضية الدعم؟

- كما هي الحال مع كل البلدان الأعضاء في الصندوق، يمكن لمصر أن تطلب برنامجاً ائتمانياً من الصندوق في أي وقت تراه السلطات مناسباً. ونشرنا أخيراً تقريراً عن مراجعتنا للاقتصاد المصري - أو ما نسميه «مشاورات المادة الرابعة» - ووجد فريق خبرائنا كثيراً من الأمور الباعثة على الأمل بعد سنوات صعبة. بدأت الحكومة إجراءات الإصلاح لتحقيق تحسّن في مستوى الثقة، كما ارتفع نمو إجمالي الناتج المحلي في النصف الأول من السنة المالية الحالية. وإذا استمر تنفيذ خطط السياسة الحالية، نتوقع أن يصبح الاقتصاد أكثر استقراراً، وأن تتحسن آفاق النمو والتشغيل. ويمكن أن يصل النمو إلى نحو أربعة في المئة في المدى القصير، ثم يرتفع إلى خمسة في المئة في المدى المتوسط. ويمثل هذا تحسناً كبيراً عن متوسط النمو البالغ اثنين في المئة منذ بداية الأزمة السياسية في 2011، وقريباً جداً من المطلوب مواجهة مشكلة البطالة التي لا تزال شديدة الارتفاع.

وفي سوق الغاز أيضاً، تتحرك مصر في الاتجاه الصحيح، إذ تساعد الإصلاحات على خفض كلفة دعم الوقود التي تمثل عبئاً ثقيلاً على الميزانية، كما تمثل إهداراً للموارد من المنظور الاجتماعي. وستستفيد مصر من هبوط أسعار النفط العالمية من طريق زيادة خفض كلفة هذا الدعم، وتيسير الاستمرار في إلغائه تدريجاً. وسيساعد انخفاض فاتورة استيراد الطاقة أيضاً، على تحقيق تحسّن في رصيد الحساب الجاري، ويمكن استخدام الموارد بمزيد من الكفاءة في أغراض إنمائية أخرى.

> من وجهة نظركم، ما مدى صعوبة الوضع في اليمن بالنسبة إلى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي؟ وما وضع البرنامج الذي يدعمه الصندوق؟ هل يمكن أن نقول إن البرنامج معلّق إلى أن يعود الحكم الشرعي؟

- من المحزن أن نرى سرعة تدهور الموقف الأمني والاقتصادي والإنساني في اليمن، إذ كان الصندوق وافق في العام الماضي على برنامج تمويلي لليمن بقيمة 550 مليون دولار لثلاث سنوات، وهو ما جرى تعليقه حالياً، وسنرى كيف يتطور الموقف.

> كيف تنظرون إلى اتفاق الإطار الذي جرى التوصّل إليه أخيراً بين القوى العالمية وإيران؟ وما تأثيره في اقتصادات المنطقة والعالم؟

- أشعر بالتفاؤل تجاه ما أُعلِن عن هذا الاتفاق، وآمل بأن يحقق تنفيذه نفعاً كبيراً للشعب والاقتصاد الإيرانيين وللمنطقة والاقتصاد العالمي.
&