الأردن بين العودة لأدوات الماضي ومقايضة ترضي «الخليج» ولا تغضب الغرب: ضبط «الإيقاع البيروقراطي» والاستقرار الأمني مقابل تراجع «الإصلاح السياسي»


بسام البدارين

&فكرة وزير التربية والتعليم الأردني الدكتور محمد الذنيبات وهو يقرر تعميم «الزي الموحد» والصف المناوب على مدارس الحكومة تتمثل في الاسترسال في تعميم ثقافة «الضبط والربط» في القطاع البيروقراطي التعليمي على أمل إعادة ما يمكن إعادته من بعض»الهيبة» للعمل التربوي.


يتجه الذنيبات نحو هذا المسار بعدما سجل له الجميع إنجازا ملموسا طوال العامين الماضيين تمثل في استعادة «هيبة» امتحان الثانوية العامة والتصدي بحزم لظاهرة «الغش الجماعي»، الأمر الذي رفع من أسهم الرجل في الطوابق العليا من دوائر القرار.
لذلك استرخى الوزير وسط كلمات تقييم دافئة زادت أسهمه في المؤسسات المرجعية ويعتبر اليوم في الاجتماعات المغلقة إنموذجا لإمكانية استعادة تلك الثقافة البيروقراطية القديمة المقدرة عند الرأي العام.
ولذلك أيضا حظي الوزير نفسه بمجاملة خاصة على هامش رعاية الملك عبدالله الثاني شخصيا لحفل عيد الاستقلال في الديوان الملكي، قبل ان ينضم ولأول مرة بسبب أداء فعلي على الأرض لقائمة المرشحين لعضوية نادي رؤساء الحكومات في حال الاضطرار للعب في ورقة بيروقراطية حازمة.
الأكثر عمقا في المسألة أن وزير التربية والتعليم في الأردن على نحو أو آخر تسبب في توفير «مقعد وزاري أثير» لرمز بيروقراطي آخر من جيل القدماء وهو وزير الداخلية الجديد سلامة حماد المعروف بعدم تمتعه بثقافة الديمقراطية والإصلاح السياسي، مع الاعتراف بالتوازي بقدراته الذاتية والإدارية وهيبة شخصيته التي تصلح لمرحلة منفلتة على صعيد الأمن الداخلي. كلاهما الذنيبات وحماد من خارج النمط المعلب للبيروقراطيين المعنيين بالمسألة السياسية وأضواء الإعلام.
وكلاهما من رموز الماضي ويمثلان قناعة الناس والنظام معا بأن العودة لنطاقات استعادة الهيبة باتت ضرورية، قياسا بمستوى التشوه الإداري والمؤسساتي الذي أنتجته محاولات تقليد نماذج أجنبية في الإدارة، بعضها لم يحظ بفرصة كاملة حتى يفلت من براثن التعطيل والإعاقة وبعضها «قمع» مبكرا من خلال المقاومة السلبية .
بوصلة الاتجاهات المرجعية عندما يتعلق الأمر باختيار الوزير حماد حصريا لمهام وزارة الداخلية تؤشر اليوم على توفير مساحة منطقية للرموز البيروقراطية المؤمنة بمركزية الدولة والمجربة في إدارات الماضي، على أمل ان تشكل مثل هذه المساحة نافذة أمل لاحتواء المشكلات المتنامية في المجتمع.


في الوقت الذي كلف فيه الذنيبات باحتواء تنامي مشكلات قطاع التربية الحكومي، من المرجح ان مهمة الوزير حماد اليوم هي معالجة القصور والخلل في «المنظومة الأمنية» ومن اللافت جدا أن مؤسسة القرار تلجأ لاختيارات من هذا الصنف البيروقراطي بعدما منحت عشرات الفرص لأصناف متباينة دون فعالية. مشكلة مثل هذا الإنحياز تنحصر اليوم في أنها تحصر حصة المشاركة في الحكم والإدارة بفئتين: المخفقون أو المراهقون في الاستعراض والأداء الاستعراضي ورموز الحرس الإداري القديم فقط.
المعنى ان أدوات القياس لا تطال حتى اللحظة الجيل الشاب من السياسين والإداريين بعد الإخفاق في إنتاج نخب عصرية وإن العودة لرموز الماضي.
وإن كانت تعالج بعض مشكلات الواقع إلا انها تعزز «الغربة» بين قطاع الشباب الذي يشكل نحو 70% من المجتمع وتبعد ممثلي هذا القطاع عن نقاط التأثير في الدولة العميقة لإن وصفات الإدارة الكلاسيكية منضبطة عمليا وتساعد في ضبط الإيقاع. لكنها ليست عصرية ولا يفهمها الجيل الجديد ولا يقبلها وتعتمد على أدوات الماضي بعد تجريب وصفات التيار الليبرالي ودعاة الإصلاح السياسي مع تجريب المعروفين جيدا وفقط للمؤسسات المرجعية.
في وزارات ومؤسسات الخدمات يرحب الناس عموما بأي مبادرات لضبط الإيقاع بعدما أصبح الإصلاح الحقيقي بعيد المنال لكن في المؤسسات الأمنية والسيادية، ورغم إيمان الجمهور بالدولة والحاجة لتعميم الأمن والاستقرار تبرز عند بعض الدهاة والبيروقراطيين معادلة مختلفة قوامها «مقايضة غير منصفة» تطرح استمرار التمتع بالاستقرار الأمني مقابل وصفات الإصلاح الديمقراطي.
بالمقايضة الأخيرة المشار اليها الظروف السائدة في الإقليم تصبح دوما الذريعة المتاحة، فيما يصلح الإنكفاء الإصلاحي للتعاطي مع منظومة دول الخليج ويصلح الحديث الإصلاحي للتحدث مع المجتمع الغربي، تلك هي المعادلة
&