&زهير الحارثي


المتابع لما جرى ويجري يصل لقناعة بأن هز استقرار بلادنا وشرخ نسيجها المجتمعي يأتي ضمن مشروع ممنهج لتفجير الطائفية وإثارة الفتنة في مجتمعاتنا فالهدف في عقول أولئك المتربصين المرضى هو تفجير أوطاننا من الداخل، فالجرائم الإرهابية التي ارتكبت كانت بإيعاز من تنظيم داعش الذي يستخدم شبابنا كوقود وما ينفك يعلن مسؤوليته عن ارتكابها اعترافاً بسياسته التخريبية.

إن استهداف السعوديين من صلب الاستراتيجية الداعشية بدليل دفعهم للانخراط في أجندة معادية مستخدمين كافة الوسائل والطرق من ترويج إشاعات وماكينة إعلامية بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا تكمن الخطورة.

وقد بينت دراسة أجراها معهد "بروكنجز" الأميركي أن الغالبية الساحقة من حسابات شبكة "تويتر" المؤيدة لتنظيم داعش تنطلق من السعودية، تليها سورية ثم العراق، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات، وبحسب جريدة "إندبندنت" البريطانية فان 866 حساباً تعمل من داخل السعودية على شبكة "تويتر" تدعم تنظيم داعش ما يعني أن مركزها الأول في قائمة الدول التي تنطلق منها حسابات لدعم تنظيم داعش على تويتر.

غير ان نجاحات السلطات الأمنية السعودية عززت إنجازاتها المتوالية وأثبتت قدرتها المهنية، في إحباط أعمال إرهابية واعتقال عناصر وخلايا ما يكشف عن احترافيتها لاسيما وقد أمسكت بخلايا عنقودية مرتبطة بتنظيم داعش، وقبضت على (431) متهماً ممن ينتمون لفكره المتشدد، والذين ينفذون المخططات التي تملى عليهم من الخارج كما تقول الداخلية السعودية.

وهنا يثور تساؤل حول انخراط أبنائنا في هذه الجماعات الراديكالية وما الذي يجعلهم يقومون بأعمال إرهابية ضد أهلهم وإخوانهم ووطنهم؟ إن الشجاعة الأدبية هنا تقتضي منا الاعتراف بأننا ساهمنا بدور ما في سقوط الشباب في هذا المستنقع الفكري من دون أن نعلم، فالقطاعات الحكومية المعنية بالشباب لم تكن قادرة على احتضانهم وشغل أوقات فراغهم قبل انزلاقهم في عالم ضياع الذات، فضلاً عن أن الرعاية الأسرية لم تكن فاعلة بالقدر الذي ينقذ هؤلاء الشباب من الولوج في عالم القطيعة مع محيطهم وبيئتهم ناهيك عن مضامين بعض مناهج التعليم وأسلوب التلقين والخطاب المنبري التقليدي وعقم الوسائل التربوية والإعلامية.

الحقيقة ان النفس ترنو إلى صناعة مجتمع منتج وحضاري متمسك بدينه ومنفتح على الآخر ومتطلع للمستقبل والتواصل والإنتاج في هذه القرية الكونية. فهل استطعنا الاقتراب من ذلك الحلم؟

أشك في ذلك لأنه عندما يختطف العقل من تيارات متطرفة فإن المحصلة تكون سلوكيات مرفوضة تتعارض مع الشرائع السماوية والفطرة الإنسانية، وغالباً ما تكون عُنفية ودموية، ولذا فانضمام أولئك السعوديين لتلك الجماعات ليس مستغرباً على اعتبار أنهم نتاج ثقافة معينة تعاملنا معها بالمسكنات ولم نقتلع جذورها.

نعترف بان الانجراف مع تيار الأيديولوجيا كما نعيش الآن وصراعات الطائفية والهوية والمذهبية من أبرز ظواهر التخلف التي تتسم بها بعض مجتمعاتنا ولا يتناغم مع لغة العالم المتحضر. صحيح اننا لا نقلل من وجود مؤامرات خارجية ودورها في اختراق المجتمعات العربية وتفتيتها، إلا ان العامل الأساسي هو في وجود جبهة داخلية غير محصنة.

&

&

&

&

مواجهة الفكر الداعشي تتم بنشر الثقافة التنويرية واقتلاع جذور نشوئه ومحفزاته من خلال تفنيده فكرياً ورفضه داخلياً عبر ترسيخ الخطاب الديني المعتدل رغم ممانعة البيئة الحاضنة له ما يجعل مهمة اجتثاثه صعبة ولا أقول مستحيلة!

&

&

&

&

&


على أن ما يفسر استهداف الجماعات المتطرفة لهذه الشريحة هو مسألة عدم الثبات الفكري حيث يذهب ضحيتها صغار السن والمراهقون فتستخدمهم تلك الجماعات بكل سهولة كأدوات تفخيخية من أجل تحقيق مشروعاتهم وأجندتهم، ما يعني ضرورة مراجعة المناهج التعليمية بتكريس مفهوم الإسلام الوسطي المعتدل وتعزيز مفاهيم التسامح وقبول الآخر فكراً وعقيدة وثقافة، والتركيز على التعليم المعرفي وفسح مساحات أوسع للنقد الموضوعي والاهتمام بالفنون والمسرح والآداب.

هذه منظومة شاملة فكرية وثقافية واجتماعية متصلة ولا بد منها لتشكيل مجتمع واع ،إن أردنا، قادر على التواصل والتفاعل.

غير أن سقوط معتنق هذا الفكر في يد العدالة لا يعني بالضرورة تلاشي الفكر ذاته، وقد تطلب الأمر بضع سنوات للسلطات الأمنية لكي تقضي على تلك الخلايا ميدانياً، في حين ان المعركة الفكرية لا زالت محتدمة ومستمرة بين تيار الاعتدال وتيار التشدد. ويجب الاعتراف بان المعالجة الأمنية ما هي إلا جزء من الحل وليست كل الحل فضلاً عن أن الجهود لمواجهة هذا التطرف فكرياً لا زالت ضعيفة وهشة.

ورغم ان داعش مثله مثل غيره من التنظيمات الإرهابية من حيث التجنيد والتكتيك والتوسع والاستقطاب ألا أن بز الآخرين في استخدام أساليب جاذبة عبر الصورة والرسالة الإعلامية المؤثرة مستغلاً وبخبث نزاعات المنطقة واستثمرها لمصلحته ولكن ما الذي يريده داعش من هذا التخريب.

وزارة الداخلية سبق أن أشارت إلى أن تنظيم داعش "وضع أهدافاً آنية داخل القطاعات الخمسة في السعودية، هي رجال الأمن والفتنة الطائفية والمقيمون والأهداف بعيدة المدى مثل العسكرية والأمنية والاقتصادية". وأضافت أن من ضمن الاستراتيجية توزيع العناصر البشرية، وتعيين أمير على كل منطقة، وتأسيس المأوى والمخابئ، ورصد المواقع ذات الأهمية لاستهدافها. وهذا نهج داعشي يحاول به إثارة القلاقل والفوضى والدفع باتجاه خلق صدام ونزاع مجتمعي على أي شكل كان من أجل الاستيلاء على السلطة.

صفوة القول، مواجهة الفكر الداعشي يتم بنشر الثقافة التنويرية واقتلاع جذور نشوئه ومحفزاته من خلال تفنيده فكرياً ورفضه داخلياً عبر ترسيخ الخطاب الديني المعتدل رغم ممانعة البيئة الحاضنة له ما يجعل مهمة اجتثاثه صعبة ولا أقول مستحيلة!.
&