عبدالله محمد الشيبة

منذ انطلاق شرارة الثورة الشعبية في سوريا عام 2011 وأنظار العالم مصوبة إزاء تطورات الأوضاع هناك لتداخل أدوار العديد من القوى المحلية والدولية في الأحداث. فهناك القوى العربية المعتدلة التي تؤيد حق الشعب السوري في تقرير مصيره والعيش في بيئة يسودها العدل والاستقرار والمساواة. ثم هناك دور كل من إيران و«حزب الله» الداعمين عسكرياً واقتصادياً لبقاء نظام الحكم في دمشق في مواجهة الجماعات المسلحة التي تسيطر على مساحات كبيرة من التراب السوري، إضافة للدور الروسي الطامح لإعادة موسكو كقوة عالمية لها تأثير في الأحداث الدولية، بجانب الدور العسكري للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الهادف إلى مواجهة تمدد «داعش». وفي خضم تلك الأحداث، هناك الدور التركي الذي يتميز بتناقض الجانب العلني منه عن مثيله السري. فأنقرة منذ اندلاع الثورة السورية تقف في صف القوى الإقليمية والدولية الراغبة في تغيير نظام الحكم، وذلك من خلال السماح بتدريب عناصر الجماعات المسلحة «المعتدلة» على أراضيها قبل مواجهة قوات النظام. وتقوم الحكومة التركية بهذه السياسة اعتقاداً منها أن ذلك سيساهم في سقوط نظام الحكم السوري، وإضعاف التوجه الكردي الراغب في تأسيس دولة مستقلة. ولكن في المقابل؛ تنتقد العديد من الدول دوراً لسياسة تركية خفية بقيادة حزب «العدالة والتنمية»، وتتضح معالم ذلك الدور الخفي في تسهيل عبور الأشخاص الراغبين في الالتحاق بتنظيم «داعش»، لأراضيها إلى سوريا ثم إلى العراق دون التنسيق الاستخباراتي مع حلفائها. علاوة على ذلك؛ تسمح الحكومة التركية بوصول الأسلحة ومرور السلع لتنظيم «داعش» الذي يقوم أيضاً بتصدير النفط المستخرج من الحقول العراقية والسورية عبر الأراضي التركية، وبالتالي توفير مصدر دخل مستمر لذلك التنظيم.

ويشير هذا السلوك التركي إلى وجود علاقة ما بين الجانب التركي وتنظيم «داعش»، مما تسبب في انزعاج وقلق حلفاء تركيا وخاصة في حلف «الناتو» وقد نشرت العديد من وسائل الإعلام معلومات تؤكد التورط الحكومي التركي في مساعدة تنظيم «داعش»، وهو ما يلحق ضرراً بالغاً بالسياسة العلنية الرسمية التركية. وقد حدا نشر تلك المعلومات بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى توجيه أجهزة الاستخبارات التركية للتخلص من أي وثائق ومستندات قد تؤكد - في حال كشفها - الدور الخفي التركي مع «داعش»، وبالتالي ملاحقة أردوغان شخصياً في محكمة العدل الدولية بتهمة مساعدة تنظيم إرهابي على ارتكاب مجازر مدنية.

ويؤكد الدور التركي الخفي فشل الحكومة التركية في تقدير الموقف من دعم تنظيم «داعش»، والاعتقاد أن خطر التنظيم سيظل داخل الأراضي السورية والعراقية فقط. فالتفجيرات الأخيرة في المملكة العربية السعودية ودولة الكويت ثم بلدة سوروج التركية على الحدود مع سوريا تؤكد أن تنظيم «داعش» لا يأبه بمن يدعمه في الخفاء، بل يعمل على استغلال هذا الدعم لتحقيق هدف واحد لا يحيد عنه، وهو صرف الانتباه الإقليمي والعالمي عن مناطق سيطرته في سوريا والعراق من خلال بث الرعب وخلق حالة من عدم الاستقرار في دول المنطقة والعالم بواسطة التفجيرات الانتحارية. وفي هذا الإطار لم يفرق التنظيم بين تحالف دولي يحاربه في العلن وبين تركيا التي يشاع أنها تدعمه في الخفاء، وامتدت التفجيرات الانتحارية بأيدٍ تركية لتقتل مواطنين أتراك على التراب التركي. ويدفعنا هذا الوضع للتفكير في دور آخر تركي ولكنه علني. فالحكومة التركية بقيادة حزب «العدالة والتنمية» تدعم جماعة «الإخوان المسلمين»، بل وتتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول، التي وضعت الجماعة ضمن التنظيمات الإرهابية. فهل ستقوم الحكومة التركية بمراجعة سياستها العلنية التي تدعم «الإخوان المسلمين» ضد المصلحة الوطنية لبعض دول الجوار مثلما راجعت سياستها الخفية التي تدعم تنظيم «داعش» وقامت بالتحرك عسكرياً ضد مواقع التنظيم في سوريا؟