والحرب تقترب من استكمال شهرها السادس، تمكّن مجلس الأمن من تمرير قرار يدعو إلى وقف النار في غزة خلال شهر رمضان. مرّ القرار بعدما امتنعت واشنطن عن استخدام الفيتو، بخلاف ما فعلته ثلاث مرات لدى طرح مسودات قرارات تدعو إلى وقف النار منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

وسارعت واشنطن إلى تبرير امتناعها عن استخدام الفيتو، مقلّلة من شأن القرار، واصفةً إياه بأنّه غير ملزم وبأنّه موقت، وذلك بعدما ثارت ثائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ندّد بالقرار الأميركي، وألغى زيارة كانت مقرّرة لموفدين من قبله إلى واشنطن، من أجل التباحث في مسألة الاعتراضات الأميركية على القرار الإسرائيلي باجتياح مدينة رفح التي تكتظ بأكثر من مليون ونصف المليون نازح، والاطلاع في الوقت نفسه على البدائل التي تقترحها إدارة الرئيس جو بايدن لمهاجمة رفح.

كثيرون اعتبروا الامتناع الأميركي عن استخدام الفيتو بمثابة رسالة تحذير أخرى من البيت الأبيض لنتنياهو كي يظهر حداً أدنى من التجاوب مع الطلبات الأميركية، مثل توفير ملاذ آمن للنازحين إلى رفح قبل مهاجمة المدينة، أو إدخال المزيد من المساعدات الانسانية لتفادي توسّع المجاعة والأمراض في شمال غزة، أو التفكير فعلاً في ولوج الأفق السياسي مع الفلسطينيين.

إنّ أياً من هذه المطالب لا يجد آذاناً صاغية لدى نتنياهو، الذي يهمّه الحفاظ على ائتلافه الحكومي، أكثر بكثير من التجاوب مع المطالب الأميركية. ولا يستطيع الحفاظ على الائتلاف من دون إرضاء الوزيرين المتطرّفين ايتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. إنّ انسحاب هذين الوزيرين من حكومته يودي فوراً بالائتلاف الحكومي، وتكون اسرائيل أمام انتخابات مبكرة.

الانتخابات المبكرة هي الكأس المرّة التي يحاول نتنياهو إبعادها عنه. الاستطلاعات لا تصبّ في مصلحته، ويعلم تمام العلم أنّه إذا لم يكن رئيساً للوزراء فسيُحاسب عن الإخفاق في 7 تشرين الأول (أكتوبر). ونتنياهو هو الوحيد من بين القادة السياسيين والعسكريين الذين لم يقرّوا بمسؤوليتهم عن الإخفاق.

الوقوف في وجه المطالب الأميركية، ينطلق من هذه الاعتبارات، وهو مستعد للمضي في السياسة التي تتلاءم مع رغبات الأحزاب الحريدية: لا وقف للنار، ولا إدخال للمساعدات إلى غزة إلاّ بكميات محدودة جداً بما يخدم استخدام الجوع سلاحاً، ولا قبول بأي شكل من الأشكال بدولة فلسطينية. وعوض ذلك، يمضي نتنياهو في إقرار مشروع في الكنيست يتيح للشبان المنتمين إلى التيارات الحريدية عدم الانخراط في الجيش، مع توسيع الاستيطان، وآخر قرار في هذا الشأن كان مصادرة 8 آلاف دونم من الأراضي الفلسطينية في غور الأردن، واعتبارها أراضي تابعة للدولة الإسرائيلية.

ويبدي سياسيون إسرائيليون تخوفهم من أن تقود سياسة نتنياهو الصدامية هذه مع بايدن إلى تعريض العلاقات الاستراتيجية مع الحليف الأميركي للخطر، خصوصاً في زمن الحرب، الذي تحتاج فيه اسرائيل بشدة إلى المساعدات العسكرية والديبلوماسية التي تقدّمها واشنطن للدولة العبرية.

أما نتنياهو، فيراهن على أنّ بايدن لن يذهب في خلافه معه إلى حدّ فرض قيود على إرسال السلاح في سنة انتخابية، نظراً لما للانعكاسات التي يمكن أن يتركها قرار كهذا على فوز الرئيس الديموقراطي بولاية ثانية.

وفي الوقت نفسه، يخسر بايدن المؤيّدين من الشباب والعرب الأميركيين الذين كان لهم دور أساسي في إيصاله إلى البيت الأبيض عام 2020.

هذا آخر ما يفكر فيه نتنياهو، بينما ينصبّ كل جهده على اتباع استراتيجية تحفظ له البقاء رئيساً للوزراء أطول مدة ممكنة، سواءً بقي بايدن في البيت الأبيض أو عاد إليه الرئيس السابق دونالد ترامب.

ومن المؤكّد أنّ نتنياهو غير مستعد لمساعدة بايدن في التجاوب معه في ملف رفح أو ملف الهدنة أو الملف السياسي.

إنّ بن غفير وسموتريتش بالنسبة لنتنياهو أكثر أهمية بكثير من بقاء بايدن لولاية ثانية.