في يوم الاثنين الموافق 25 من شهر مارس/ آذار صوّت مجلس الأمن الدولي على «وقف فوري لإطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، خلال شهر رمضان، ما يفضي إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار». وقد تم التصويت عليه من دون معارضة وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، ولم تستخدم حق «الفيتو»، كما كان معتاداً في المرات السابقة. واللافت للنظر هو التصويت البريطاني لصالحه، وهو أيضاً ما لم يكن معتاداً في السنوات الأخيرة، حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

وقد قدم مشروع القرار المذكور من قبل الأعضاء العشرة غير الدائمين في مجلس الأمن الدولي، بقيادة موزمبيق. ورغم دقة الكلمات التي صيغ بها القرار، والموقف الحاسم المطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار، فإن الإدارة الأمريكية باتت تكرر أن هذا القرار غير ملزم، بما يشي بنواياها بالالتفاف عليه، وتجريده من أي معنى. ولا شك أن الموقف الأمريكي شجع الجانب الإسرائيلي على التمسك باستمرار الحرب، ورفض القرار المذكور، رغم ما يذكر عن توترات بين الحليفين الأمريكي والأسرائيلي، خاصة حول الهجوم المرتفب على مدينة رفح.

فسفير إسرائيل في الأمم المتحدة، حلمان أردان اعتبر القرار امتناعاً عن إدانة ما أقدمت عليه حماس من هجوم على إسرائيل، في السابع من أكتوبر من العام الماضي، لكنه رحب بإدانة المجلس أخذ الرهائن، معتبراً ذلك جريمة حرب، إلا أنه في نفس الوقت أشار إلى أن على مجلس الأمن أن لا يكتفي بالكلمات فحسب، بل ينبغي أن يتخذ إجراءات حقيقية من أجل إطلاق سراح الرهائن.

إدارة نتنياهو ألغت رحلة كان من المقرر أن يقوم بها اثنان من المسؤولين الإسرائيليين إلى واشنطن، وذلك احتجاجاً على عدم استخدام أمريكا حق النقض ضد قرار مجلس الأمن المذكور. المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي أكد من جانبه أن الاجتماعات المقررة بين وزير الدفاع الإسرائيلي، يوأف غالانت ومستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان ستمضي قدماً حتى النهاية.

وقد أكد كيربي أن امتناع بلاده عن التصويت ضد قرار مجلس الأمن الدولي لا يعني تغييراً في موقفها السياسي تجاه إسرائيل. وكان هذا القرار قد صدر بعد فشل مشروعين صاغتهما الولايات المتحدة، واستخدمت روسيا والصين معاً حق النقض تجاههما، لأنهما كانا مسيسين، من وجهة نظرهما.

ومن وجهة نظر كثير من المتابعين للسياسة الأمريكية، ومن ضمنهم أعضاء بارزون في الكونغرس الأمريكي، فإن السياسة الأمريكية تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، تتسم بالمراوغة والكذب. فعضو الكونغرس بيرني ساندر صرح بأنه يجد صعوبة في فهم عدم تحرك الكونغرس لوقف معاناة الفلسطينيين، ووقف الكارثة الإنسانية التي يواجهونها في غزة. وقال إن بلاده متواطئة في المأساة التي يعيشها ملايين الفلسطينيين. وصرح بأنه لا يمكن أن تظل أمريكا منحازة على الدوام لإسرائيل، داعياً إلى معاملة الشعب الفلسطيني باحترام وكرامة، لإحلال السلام في المنطقة.

إن الولايات المتحدة، حسب ساندر، يجب أن تتوقف عن سياسة النفاق، فلا يمكن لإدارة بايدن إدانة سلوك إسرائيل، وارتكابها جرائم حرب، وفي نفس الوقت تزويدها بأحدث الأسلحة والقنابل والعتاد لتضرب بها الفلسطينيين. إن من شأن ذلك أن لا يعطي أي مصداقية لموقف الأمريكيين تجاه عمليات الإبادة التي تشنها إدارة نتنياهو بحق سكان غزة. وأشار إلى أنه لا يمكن استجداء نتنياهو للتوقف عن قصف المدنيين، وفي اليوم التالي نرسل له آلاف القنابل.

إن ما يحدث في غزة، بحسب ساندر، هو كارثة إنسانية مروعة بكل المقاييس، وينبغي التوقف عن القصف، والقبول بوقف إطلاق النار والسماح بمرور المساعدات الإنسانية والوقود لأهالي قطاع غزة. ودان منح إدارة الرئيس الأمريكي بايدن عشرة مليارات دولار إضافية لحكومة نتنياهو لمواصلة حربه الفظيعة ضد المدنيين الفلسطينيين، واعتبرها خطوة غير مسؤولة.

يبدو أن المجتمع الدولي لا يزال عاجزاً عن وقف المذبحة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، والتي يوشك شهرها السادس على الانفراط، والمؤكد أن التواطؤ الأمريكي مع العدوان، الذي يصل إلى حد الشراكة في حرب الإبادة، هو من أهم أسباب هذا العجز.

والأنكى هو تزامن حرب الإبادة مع حرب التجويع، التي لا سابقة لها في التاريخ المعاصر. فقد نقلت قنوات التلفزة صوراً مريعة لأطفال تحولوا إلى هياكل عظمية نتيجة انعدام الطعام والماء. وقد تحدثت بعض التقارير عن مشاهدات لأطفال يشربون من مياه شيش الدخان القديمة، للتخلص من عطشهم. كما بدأت الأخبار في التواتر عن حالات وفاة لعدد من الأطفال نتيجة حرمانهم من الطعام والماء والدواء.

وقد أعلنت وزارة الصحة في القطاع أن أكثر من عشرة مستشفيات في غزة خرجت تماماً من الخدمة، بسبب تعرض بعضها للقصف الإسرائيلي، ومصرع عدد من الأطباء وطواقم التمريض.

المطلوب الآن، بدلاً من الاستغراق في الأوهام حول أكذوبة بايدن بتبني قيام الدولة الفلسطينية، أن تتوقف حرب الإبادة على غزة، وأن يتركز الجهد العربي على تحقيق سلام مستدام، يحمي أرواح الفلسطينيين ويصون ممتلكاتهم، ويمكنهم من حق تقرير المصير. والقيام بهذه المهمة عمل قومي ووطني وإنساني وأخلاقي نبيل، وليس فرض كفاية.