أحمد البشري من الرياض: يبدو أن الفتوى التي صدرت مؤخرًا عن الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية، اشعلت ناراً إعلامية جديدة، لن تخمد على المدى القريب. الفتوى التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية، مثل رويترز، سي إن إن، وكالة الأنباء الفرنسية، والإذاعة البريطانية بي بي سي، والعديد من الصحف الأوروبية بالإضافة إلى عشرات المواقع العربية، وصحف محلية وأخرى أجنبية، اعتبرت حديث الساعة في الأوساط المحلية السعودية.

ليس الإعلام وحده من إنشغل بهذه الفتوى، فعلى مستوى رجال الدين هناك معارك صغيرة تدور خلف الكواليس، ما بين مؤيد ومعارض، حيث تناقلت المواقع الالكترونية مؤخراً بعض ردود الفعل، لبعض رجال الدين وطلاب العلم الشرعي، فقد أتهم الشيخ محمد النجيمي رئيس قسم الدراسات المدنية بكلية الملك فهد الأمنية وعضو مجمع الفقه الإسلامي، العناوين الإعلامية التي تناولت فتوى اللحيدان الأخيرة قائلا: quot; عناوين غبية وهذه الفتوى واضحة وجلية، وبرر الفتوى (القضية) بأنها موضوع قضائي معروف عند الفقهاء، يقضي بأن التعزيز يبدأ بالأقل فالأشد حتى يصل للقتل، وذكر أن كلام اللحيدان علمي صحيح مئة بالمائة، السبب الأول لخلفيته القضائية، فيما ذكر بأن السبب الثاني بأن اللحيدان قد حدد الذين يقصدهم وهم الذين ينشرون السحر ويروجون للفساد الأخلاقي ويثيرون الشهوات. مختتماً حديثه بالقول quot; هذه فتوى رائعةquot;.

تنديد سعودي بفتوى قتل اصحاب بعض القنوات الفضائية

رئيس القضاء السعودي: لمن تقرع الأجراس؟

وقد وجه النجيمي الحديث بعد ذلك إلى quot;إيلافquot; وأتهمها بعدم المهنية، والسعي وراء الإثارة وخيانة الأمانة الصحافية، حيث قال في حديثه لموقع الوئام الالكتروني : quot;موقع إيلاف الإلكتروني وهو من أول من أثار الموضوع quot;موقع ليبرالي وقد نقلها بشكل غير علمي واتهمه بالسعي للإثارة فليس لديهم أمانة علمية quot;.

وبهذا التصريح، يعتبر النجيمي أول من يؤيد الفتوى علنا، رغم أن الكثير من المشائخ تجنبوا التعليق على الفتوى التي أحدثت انقساما حادا داخل الأوساط السعودية، لحساسية الموضوع ومكانة صاحب الفتوى. وعلى عكس النجيمي، فقد بدا الشيخ عبدالمحسن العبيكان أكثر عقلانية في تناوله للفتوى، حيث يرى العبيكان أن مثل هذه الفتوى قد تكون حجة للإرهابيين ليستبيحوا بها الأنفس المعصومة، وتكون ذريعة لهم للقتل، ولم يستبعد أن يقوموا بإزهاق الأنفس أو إتلاف المنشآت الإعلامية بسبب هذه الفتوى ومثيلاتها .

وقال في حديثه للوئام quot; مثل هذه الفتوى لا تنطبق في بلاد غير بلادنا، فلا فائدة منها في بلاد لا تحكم بالشريعة الإسلامية ولا يمتثل ملاّك القنوات الفضائية فيها لتعاليم الدين الإسلامي quot;. ويرى العبيكان بأن يراعي من يصدر الفتاوى الصفة والمضمون لأن العامة يختلفون في مداركهم وأفهامهم وعلومهم .

مؤكداً بأن هذه الآية quot; أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض quot; التي استدل بها الشيخ صالح اللحيدان في فتواه لا علاقة لها بمثل هذه الأعمال ، مع أن ما يعرض في هذه القنوات من إفساد للأخلاق يعتبر جريمة من أكبر الجرائم، والصحيح أن من يروج لهذه الأمور يستحق أن يحال للقضاء ويصدر بحقه القاضي حكماً تعزيرياً بحسب الجرم الذي مارسه . وأضاف بأن آية الحرابة التي هي أقرب للموضوع فجمهور أهل العلم يرى أن سبب نزولها قصة العُرنيين الذين قتلوا راعي إبل الصدقة، والصحيح قول الجمهور بأن حد الحرابة يقام على قطّاع الطرق، ولا أتذكر أنه تم تطبيقها في غير ذلك مثل أعمال ملاّك القنوات الفضائية.

كما دعى العبيكان من جانبه بأن توجه النصيحة لأصحاب القنوات فيقول quot; والذي يمكننا قوله بأن ندعو لأصحاب هذه القنوات بالهداية وننصحهم بالتوبة لله، فبعض هؤلاء يعتبر مجرماً بحق مجتمعه من خلال نشره للفساد وإثارته للشهوات quot; .

وحاولت إحدى الصحف الإلكترونية المعروفة بانتمائها للتيار الأصولي المتشدد إيهام القارئ بأن الفتوى quot;حُرّفت عن غير معناها الحقيقيquot;، رغم ثبوت ذلك بالتسجيل، وقالت إن موقعا إخباريا سعوديا، و قناة العربية يقودون حملة ضد اللحيدان. حيث أصدرت في صفحتها الأولى وفي خانة الأخبار الرئيسية خبراً تضمن quot; وكان أحد المواقع الإخبارية المحجوبة في السعودية قد نشر تقريراً تطرق فيه لكلام اللحيدان، واستخدم فيه عنوان quot;مبهمquot; وغير مهني، ليظهر الشيخ وكأنه quot;أهدر دماء ملاك القنواتquot;، في إشارة إلى صحيفة quot;إيلافquot; الإلكترونية. في حين لم يتصد للفتوى سوى ثلاث صحف سعودية فقط، حيث أوردت كل من صحيفة quot;الحياةquot; و quot;الوطنquot; و quot;الجزيرةquot;، خبر الفتوى، وغابت بقية الصحف عن الإشارة لهذه القضية.

يأتي كل هذا بعد أن كانت العديد من وسائل الإعلام الغربية تتناقل مؤخراً تسجيل لمكالمة صوتية كان اللحيدان يوصي فيها ويدعو الشباب السعودي الذهاب للعراق و quot;الجهادquot;، في شريط كان قد نشر على قناة إن بي سي الأميركية عام 2005، والذي عاد ليثير العديد من ردود الأفعال كون صاحب التسجيل والمكالمة يترأس منصباً مهماً في المملكة العربية السعودية، في نفس الوقت الذي تحارب به الحكومة السعودية محرضين الشباب السعودي وتصديرهم لمناطق الفتن والقلاقل، بالإضافة لتوافق الفتوى مع الذكرى السنوية لأحداث 11 سبتمبر.

كما شهدت المدونات السعودية العديد من النقاشات حول هذه الفتوى، التي انتشرت بسرعة في الموقع والمنتديات والمجالس الشعبية، وطغت أخبارها على كل شيء، واعتبر البعض أن هذا المعنى سيكون مستخدماً من الجماعات الإرهابية بعد أن يتم إفراغه من مضمونه، كما استخدمت العديد من التصاريح والفتاوى لمشائخ ورموز دينية أوائل العمليات الإرهابية بالسعودية، وتوقع آخرون أن يكون لهذه الفتوى تبعات أخرى، خاصة لرجل يعتلي منصبا مهما وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى، وليس مجرد شخصا عاديا.