الحريري قدم لقيادة الطاشناق عرضاً مغرياً للحياد وينتظر الجواب
حزب أرمني بيضة قبان مترددة بين الجنرال عون وquot;14 آذارquot;
إيلي الحاج من بيروت:
ينتظر رئيس كتلة quot;المستقبلquot; النائب سعد الحريري جواباً من قيادة حزب الطاشناق الأرمني على عرض quot;شديد الإغراءquot; قدمه إليها، يقضي بالتزام الحزب جانب الحياد في الإنتخابات النيابية المقبلة المحددة في 7 حزيران / يونيو المقبل بين قوى 14 آذار/ مارس وقوى 8 آذار التي تتحالف معها قيادة الحزب حالياً ، وذلك لقاء إعطاء الطاشناق من دون معركة إنتخابية خمسة مقاعد من أصل ستة مقاعد للأرمن في دوائر بيروت الأولى ( الأشرفية ) وبيروت الثانية ( الباشورة ) والمتن الشمالي، وزحلة ndash; البقاع الأوسط. على أن تكون للأرمن بعد الإنتخابات كتلتهم النيابية المستقلة عن المحورين المتنافسين في لبنان.

وكان الأرمن ولا سيما حزبهم الأقوى والأبرز الطاشناق يتحاشون تقليدياً الإنخراط في الخلافات والصراعات السياسية وغير السياسية التي تكاد لا تتوقف في لبنان، وبدرجة أكبر يحرصون على البقاء على مسافة متوازية بين الأحزاب والقادة المتنافسين المسيحيين، لكن سياسة الطاشناق هذه التي اتّبعها بدقة ميزان الصاغة تغيّرت في شكل نافر مع تولّي العماد إميل لحود رئاسة الجمهورية لأسباب يأتي في طليعتها اعتبار أركان هذا الحزب أن لحود quot; واحد منهمquot; لأن والدته أرمنية وكذلك زوجته وكان يتحدث بالأرمنية معهم وأحياناً كثيرة كان يمضي عطلاته في أرمينيا التي زارها مراراً في شكل رسمي أو خاص. وبوقوف قيادة الطاشناق بقوة إلى جانب لحود الذي أغدق عليها ما استطاع من عطاءات ومكاسب ونفوذ في الدولة كان خلاف الحزب حتمياً مع الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي لم يجمعه ودّ يوماً بالرئيس لحود. واضطر الحريري حيال موقف الطاشناق منه إلى التعاون مع الحزبين المنافسين للطاشناق في بيئته الأرمنية ، الهنشاق والرامغفار، وانتزع من الحزب الأكبر التمثيل النيابي والوزاري سنوات طويلة لم يكن فيها للطاشناق سوى نائب واحد في المتن الشمالي.

ومن التحالف مع لحود، انتقل الطاشناق بتوجيهات رئيس الجمهورية السابق ودعمه إلى التحالف مع النائب الجنرال ميشال عون الذي ساهم في عودته إلى لبنان وفق quot;تفاهمquot; وَضَعه كريم بقرادوني السياسي المخضرم ، الأرمني الأصل- الذي استغرب لحود عندما التقاه للمرة الأولى أنه لا يستطيع التحدث بالأرمنية ndash; وقضى ذلك quot;التفاهمquot; بأن quot;يرثquot; الجنرال عون مواقع الرئيس لحود ومواقفه السياسية وتحالفاته أيضاً، بحسب ما كشف بقرادوني في كتابه الأخير عن عهد لحود بعنوان quot;الصدمة والصمودquot;، في عرضه لتفاصيل الإتفاق بين الجنرالين، والذي تمّ في باريس بمساعيه شخصياً مع نجل لحود، النائب آنذاك إميل إميل لحود. ولم يكن ينقص إلا مبرر لتغطية سبب إنتقال الجنرال عون من ضفة إلى ضفة أمام أنصاره، فانطلق من واقعة عدم استقباله quot;الملتبسةquot; في المطار لدى عودته من منفاه الباريسي، لأن أركاناً وشخصيات أكدوا الطلب إليهم من قيادة quot;التيار العونيquot; آنذاك عدم موافاته إلى المطار. إلا أن الذريعة الرئيسة التي انطلق منها عون للإنتقال إلى quot;الخيار الآخرquot; كانت رفض أركان قوى14 آذار التسليم بالحصة التي يجب أن تكون له، لا بل ذهابهم إلى quot;تحالف رباعيquot; تشكل على عجل بين quot;تيارالمستقبلquot; والحزب التقدمي الإشتراكي وquot;حزب اللهquot; وحركة quot;أملquot; وأثار مخاوف وهواجس لدى المسيحيين من مشروع هيمنة جديدة تخلف quot;الهيمنة السوريةquot; الراحلة، ولا سيما لدى الكنيسة المارونية التي دعت كل طائفة ما دام الوضع على هذا المنوال إلى انتخاب زعيمها، وكان المقصود عون بالنسبة إلى المسيحيين، وتسبّب quot;التحالف الرباعيquot; الذي لم يكلّف أركانه أنفسهم مشقة حتى عرض موجباته وشرحها لجمهور 14 آذار المسيحي بما عرف لاحقاً بـquot; تسوناميquot; إنتخابات 2005 الذي دفع ثمنه غالياً وكان أولى ضحاياه مرشحي 14 آذار المسيحيين في جبل لبنان. وسرعان ما اعتبر الجنرال عون نفسه زعيم المسيحيين في لبنان وانتظر اعترافاً به يتمثل في قبول الآخرين بخلافته لحود في رئاسة الجمهورية. وعندما لم يلق تجاوباً ذهب إلى إلتصاق بـquot;حزب اللهquot; أوصله إلى سورية وحلفائها وإيران ليكتمل إنتقاله السياسي، ومعه تطبيق quot;تفاهم باريسquot;.

عاد الطاشناق إلى المعادلة ولكن بصفة عضو في quot;تكتل التغيير والإصلاحquot; الذي يترأسه عون، منتقلاً من ظل جنرال إلى ظل جنرال، وعرفت قيادة الحزب أن تنأى بنفسها إلى حد ما عن المواقف الصدامية والتحديات المباشرة إبان المنازلات السياسية والشعبية بين قوى 14 آذار ومنافستها قوى 8 آذار بقيادة quot;حزب اللهquot; طوال عامي 2007- 2008 ، لكن حشرة الجنرال عون في الإنتخاب الفرعي على مقعد الوزير بيار الجميّل بعد اغتياله في المتن الشمالي جعلته يستنجد بحلفائه االطاشناقيين ليحشدوا أقصى ما يمكنهم من أصوات بعدما ظهر خلل في الحسابات واستطلاعات الرأي التي أجرتها الماكينة الإنتخابية العونية، إذ كانت تتوقع فوزاً سهلاً على الرئيس أمين الجميّل بفارق يراوح بين ثمانية آلاف صوت وعشرة آلاف ، إلا أنه ظل متقدماً على عون ، وبالأحرى مرشحه حتى بعد بعيد الظهر وإلى أن quot;طرح الصوتquot; (دق النفير) فأنزل الطاشناق أكثر من 9 آلاف في الصوت كتلة واحدة قبل أن تقفل الصناديق مساء، لتسفر النتيجة عن فوز مرشح عون بفارق نحو 400 صوت فقط . سيتهم الجنرال عون حليفه ميشال المر بعد أن يتخلى الأخير عن التحالف معه، بأنه لم يسانده كفاية في تلك المعركة ، وسيقول المرّ في مقابلة تلفزيونية إنه أعطى مرشح عون 16700 صوت من أصل ال 39 ألفاً التي نالها ولن يصدر نفي عن العونيين. في الخلاصة بالنسبة إلى الطاشناق أنه كسب عداوة مريرة مع حزب الكتائب وقوى 14 آذار الأخرى التي تسانده وتبادلت قيادتا الحزبين كلاماً جارحاً جرى التراجع عنه في ما بعد على مضض وللتهدئة.

واليوم يقول المر في أوساط القريبين منه إن الإقتراع ببطاقة الهوية في المرة المقبلة سيحرم الطاشناق 1500 صوت، لأن الحزب يتصرف بهذا العدد من البطاقات الإنتخابية في كل دورة وهي عائدة لأرمن مهاجرين أو متوفين في غياب أي رقابة على بعض مراكز الإقتراع في عمق برج حمود حيث لا يحضر سوى مندوبي الطاشناق. وكان الرئيس الجميّل أعلن لقريبين منه بعد صدور نتائج الإنتخاب الفرعي، وكان لا يزال على خصومة مع المرّ، أنه متأكد من وجود تزوير في أقلام إقتراع في برج حمود ب 1500 صوت ، لكنه قرر عدم تقديم طعن والقبول بالنتيجة الرسمية لأن السجال على هذا الموضوع كان سيؤدي حتماً ، وخلال ساعات أو أيام إلى صدامات مسلحة وغير مسلحة في المتن بين الكتائب وحلفائهم من جهة، والطاشناق والعونيين. وكان الكتائبيون والعونيون تجمعوا متقابلين وعلى وشك الإشتباك ليلة صدور النتيجة في ساحة جديدة المتن.

في المدة الأخيرة زار رئيس اللجنة المركزية في الكتائب سامي الجميّل مقر قيادة الطاشناق ثلاث مرات، ونجح في تبديد رواسب المواجهة الكلامية الحادة التي أعقبت المعركة الإنتخابية على مقعد أخيه بعد اغتياله. أصبحت المشكلة بين الحزبين من الماضي تقريباً . لكن الطاشناق كان يطرح ، قبل تلقيه عرض الحريري أن يبقى في تحالفه من الجنرال عون على أن يصوّت في المتن لحليفه التقليدي النائب المر ، الأمر الذي ترفضه قيادة الكتائب وتصر على إتفاق شامل ، فإما يعطي الطاشناق أصواته بالتساوي للائحتين ويكون مرشحه عليهما معاً ، وإما تتشكل في المتن لائحتان مكتملتان ، إحداهما تضم مرشحي عون ومرشح الطاشناق ، والأخرى لتحالف 14 آذار ndash; المر مع مرشح من حزب أرمني غير الطاشناق، الهنشاق أو الرامغفار .

أدركت قيادة الطاشناق أن المعركة في الحالة الثانية ستكون قاسية، محفوفة بالخطر من كل النواحي. وقد تحرم الحزب تمثيل الأرمن في المتن الشمالي، باعتبار أن من المشكوك فيه كثيراً أن يشكل أكثرية في هذا القضاء مع quot;التيار العونيquot; والحزب السوري القومي الإجتماعي وبقية مكونات قوى8 آذار.وعند هذا المنعطف أخذ النائب المر قيادة الطاشناق إلى قريطم حيث قدم النائب الحريري عرضه الذي يوفر على هذا الحزب الأرمني عناء مواجهات وخلافات مع أنصار أمين الجميّل في المتن، وأنصار شقيقه الراحل الرئيس بشير الجميّل في الأشرفية حيث يترشح نجله المحامي نديم، وعموم قوى 14 آذار من مسيحيين ومسلمين سنة في البقاع وبيروت الثانية، فضلاً عن احتمالات تصادمه مع اقتناعات مجموع الناس المستقلين في البيئة المسيحية الذين يكوّنون آراءهم بناء على توجهات رئاسة الجمهورية والكنيسة وقيادة الجيش، وهذه كلها لا تتلاقى مع توجه عون الذي يعد سلوكه السياسي والإعلامي بمزيد من التحديات والتشنجات، في حين لم يعد يستطيع الوعد بضمان مصالح الطاشناق على غرار ما كان يفعل لحود، بعدما تبيّنت إستحالة وصوله إلى قصر بعبدا أو إسقاطه الرئيس الحالي ميشال سليمان. وفوق ذلك يوفر عليه موقف الحياد أو التوازن خلافات حادة يمكن أن تعصف بالمجتمع الأرمني في لبنان، بسبب تناقض الحسابات فيه والتوجهات والرهانات.

لكل ذلك يقف الطاشناق اليوم على مفترق حرج ،ومعه الجنرال عون الذي يخسره حياد الحزب أكثر من نصف المعركة ونصف تكتله.