مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية في الثلاثين من شهر نيسان (إبريل) الجاري تزداد التحذيرات من تفكّك البلاد بسبب تفاقم الأزمة السياسية والأمنية، وقبلهما الطائفية، وسط تعاظم الخلافات بين السياسيين إلى حدود التسقيط السياسي والشخصي.


عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: في وقت حذّرت فيه المرجعية الشيعية في العراق من انتخاب الوجوه المتهمة بالفشل والسرقة نفسها، وضرورة انتخاب من يقدم مصالح الشعب على مصالحه الحزبية والشخصية، حذر رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني من تفكك البلاد، ملقيًا على الحكومة المركزية أسباب هذا التفكك، مع تفاقم الخلافات بين بغداد وأربيل، وسقوط مناطق عديدة في قبضة تنظيم داعش.

حيث باتت أقرب نقطة خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تبعد نحو 25 كلم عن العاصمة بغداد، بعد فرض مقاتلي هذا التنظيم سيطرتهم على معظم منطقة أبي غريب في غرب بغداد، بعد إحكام السيطرة على مدينة الفلوجة وقرى أخرى في محافظة الأنبار (80 كلم غرب بغداد)، وتحذيرهم السكان من المشاركة في الانتخابات المقبلة في نهاية الشهر الحالي، وهي خطوة يرى محللون عراقيون أنها تهدف إلى إذكاء الفتنة الطائفية وتكريسها في البلاد، كي يسيطر الشيعة على مقاليد السلطة مع الأكراد، وينظر إلى العرب السنّة كمهمّشين، ومن ثم يسهل تأييدهم واحتضانهم لداعش وبقية التنظيمات التكفيرية.

داعش في حزام بغداد
نشرت مواقع الكترونية عراقية معلومات استخبارية عن سيطرة الجماعات المسلحة على مناطق شاسعة من غرب العراق، تشنّ هجمات عسكرية على الجسور والبنايات الحكومية. ففي quot;الفترة بين 28 و30 آذار (مارس) وقعت حوالى خمس هجمات على جسور في الانبار في مناطق راوة والرمادي والفلوجة، حيث استخدمت فيها سيارات مفخخة، قطع فيها جسر الرمادي، ما أدى إلى قطع حركة المرور في المنطقة، إلى جانب التفجيرات الأخرى على جسر زوبع في جنوب الفلوجة، لمنع وصول الإمدادات إلى القطعات العسكرية الموجودة هناك.

وفي 29 آذار/ مارس، هاجمت مجاميع مسلحة، تابعة للدولة الإسلامية في العراق والشام، تستقل عجلات رباعية الدفع، تابعة للجيش العراقي، قطعات عسكرية في منطقة زوبع جنوب مدينة الفلوجة، فيما هاجم مسلحون تجمعًا للصحوات بسيارة مفخخة في المنطقة نفسها.

وتم تدمير الجسر الاستراتيجي الوحيد الذي يربط وسط الفلوجة بجنوبها في 31 آذار، حيث وضعت كميات كبيرة من العبوات الناسفة وفجّرت عن بعد. وفي منطقة الكرمة، وهي معقل داعش، تفيد معلومات استخبارية بأن عناصر من القوات الأمنية والصحوة من أهالي الأنبار، تركوا عملهم، وانضموا إلى عناصر داعش.

وقامت المجاميع المسلحة بتفجير جسر المثنى في شمال بغداد، وهو جسر فعال، تستخدمه قيادة عمليات بغداد في التنقل ونقل القطعات العسكرية. واستهدف تفجير آخر لداعش جسرًا في منطقة المشاهدة يوم 4 نيسان (إبريل)، والغرض منه شلّ حركة الجيش العراقي في المنطقة.

ونشرت وسائل الإعلام مقطع فيديو يوم 30 آذار/ مارس للجماعات المسلحة وهي تستعرض في قضاء أبو غريب، وهو دليل على وصول الجماعات المسلحة إلى مناطق قريبة من بغداد. وأشارت تقارير في وقت سابق إلى أن الحكومة العراقية قد أخلت سجن أبو غريب يوم 3 آذار/مارس على خلفية معلومات استخباراتية ومعارك في منطقة الزيدان القريبة من السجن.

وفي مساء يوم 2 نيسان/إبريل، نشر المجلس العسكري لثوار العشائر مقطع فيديو يوضح الخطة العسكرية التي هاجموا فيها الجيش العراقي، كما يوضح الفيديو أن الجماعات المسلحة تهاجم أكثر من منطقة وقطعات عسكرية في الوقت نفسه، وهو تكتيك عسكري لشل حركة الجيش المقابل، ومنع وصول الإمدادات العسكرية إليه.

تفكك العراق
رئيس إقليم كردستان العراق حذر من جهته من فشل العملية السياسية في العراق وتفكك البلاد وعدم الاستقرار، وألقى باللائمة على سياسات الحكومة المركزية، التي فشلت كل محاولات تقريب النوايا بينها وبين المركز.

ويعوّل برزاني على وساطة أميركية، وفق حديثه لجريدة الحياة اللندنية اليوم. وبيّن برزاني أن quot;الإقليم ينتظر وساطة أميركية لحل مشكلة تصدير النفط بين بغداد وإربيلquot;، مؤكدًا على أن quot;الإقليم لن يسكت عن هذا الإجراء في حال استمراره، ولن يبقى متفرجًا. لدينا rlm;برنامج، وخطة سننفّذها. آمل بأن تؤدي الوساطة إلى حل. سنمشي إلى آخر الطريق من أجل rlm;إيجاده، ولكن إذا استمر هذا الإجراء، كل شيء سيتغيّرquot;lrm;.lrm;

ورأى برزاني أن quot;صراعًا شيعيًا سنيًا في العراق لا يمكن إنكارهquot;، مؤكدًا أن quot;العراق يتفكك بسبب حالة عارمة من عدم الاستقرار، إضافة إلى استشراء الإرهاب في المناطق الغربية من البلاد، ووجود مدن خارج سيطرة الحكومة، كما يمارس الإرهابيون نشاطهم في شكل علنيquot;. وتوقع برزاني أن العملية السياسية في العراق quot;توشك أن تفشلquot;.

التغيير
يأتي ذلك متوازيًا مع تحذيرات كررتها المرجعية الشيعية من إعادة انتخاب الأسماء نفسها التي ثبت فشلها وتورطها في الفساد.
فقد دعا ممثل المرجعية الدينية في كربلاء العراقيين إلى quot;ترك الوجوهquot;، التي لم تقدم quot;الخير إلى العراقquot;، واعتبرعدم المشاركة في الانتخابات خطأ، لأنه يسمح للغير برسم مستقبل البلاد، وفيما لفت إلى أن السياسيين متباعدون بسبب الخلفيات quot;الإثنية والطائفيةquot;، انتقد عدم قدرة البرلمان على التصويت على الميزانية.

وقال ممثل السيستاني في كربلاء عبد المهدي الكربلائي، خلال خطبة صلاة الجمعة، إن quot;موعد الانتخابات البرلمانية يقترب شيئًا فشيئًا، وقد أصدرت المرجعية الدينية توجيهاتها في هذا الشأن، وأكدت على أهمية المشاركة فيها، فضلًا عن تجديد موقفها بعدم دعم أي من القوائم المشاركة في الانتخاباتquot;.

وحذر الكربلائي من quot;الخداع بالوعود البراقة والخطب الرنانة والإعلانات التي تملأ الشوارع والخدمات التي يقدمها المرشحون للانتخابات، وعدم الاهتمام بالانتماءات العشائرية والمناطقية والحزبيةquot;، داعيًا المواطنين إلى quot;ترك الوجوه التي لم تقدم الخير إلى العراق واستبدالها بأشخاص تتحققون من كفاءتهم وإخلاصهم ونزاهتهم وخوفهم على العراق وشعبهquot;.

وأشار الكربلائي إلى أن quot;المرجعية ترى أنه لا يكفي أصل المشاركة في الانتخابات، بل الأهم هو اختيار المرشح الصالح والحريص على مصالح العراق وأبنائه، وليس من يفكر بمصلحته ومصلحة جماعته واستغلال كرسي البرلمان والوزارة للاستحواذ على المزيد من المزايا والمخصصاتquot;.

أضاف إن quot;الانتخابات تحظى بأهمية بالغة في رسم مستقبل البلد وبنائه، ومن لا يشارك فيها فإنه سيعطي فرصة لغيره لرسم مستقبله ومستقبل أبنائه، وهذا خطأ لا ينبغي الوقوع فيه، والحاجة ماسّة إلى التغيير نحو الأفضلquot;.

مسافات إثنية وطائفية
وأكد ممثل السيستاني أن quot;مواقف القوى السياسية متباعدة على خلفيات إثنية وطائفية وغير ذلك، والمهاترات بينهم تملأ وسائل الإعلام، والاحتقان يمنع استقرار البلادquot;، منتقدًا quot;إخفاق البرلمان بالمصادقة على الموازنة العامة للبلاد بسبب عدم تحقيق النصاب القانوني في جلسة قراءتها الأخيرةquot;.

ولفت الكربلائي إلى أنه quot;على الرغم من موارد البلاد النفطية الكبيرة، إلا أنه لا توجد خطط تنموية تنهض بالاقتصاد وتوفر حياة كريمة للمواطنين، الذين يعيش الملايين منهم تحت خط الفقر منذ عقود، فضلًا عن النشاط الزراعي والصناعي المتدنيquot;.

القيادي في ائتلاف دولة القانون حيدر العبادي فسّر كلمة التغيير، التي شددت عليها المرجعية الشيعية، بأنها تعني تغيير المنهج، وليس الأشخاص. ورأى أن quot;التغيير المقصود هو تغيير نهج، وليس الأشخاص، فالأشخاص قد يكونون جيدين، ولكنهم قد لا يؤدون دورهم في جو صحي غير صحيح. وأما الحديث عن ولاية ثالثة لرئيس الوزراء، فهو كلام مبكر، والمواطن هو من يقرر، وسنحترم إرادته، كما قالها المالكي نفسه، ونحن رهن اختيار وإرادة المواطنquot;.

يذكر أن الانتخابات البرلمانية العراقية ستجرى في الثلاثين من شهر نيسان/إبريل الجاري، وتتنافس القوى السياسية الرئيسة بكيانات منفردة، بعدما صادقت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على 276 كيانًا لخوض السباق الانتخابي العام 2014. ويحق للكتلة الأكبر في مجلس النواب ترشيح رئيس لمجلس الوزراء ليكلفه رئيس الجمهورية الذي يختاره النواب في أول جلسة للبرلمان الجديد.