الألعاب الفكرية: العقل السليم في.. العقل السليم!
هل هي من أنواع الرياضة أيضاً؟
الحلقة الثانية

ملف الألعاب الفكرية ( 1-2 )
عصام سحمراني ndash; إيلاف : بعد استعراضنا للعبتي الشطرنج والمونوبولي في الحلقة الأولى نتابع في الحلقة الثانية من موضوعنا استعراضنا لعدد من الألعاب الفكرية الشهيرة على أنواعها. وبمعزل عن سهولة أو صعوبة فهم هذه الألعاب لدى ممارسيها والساعين إلى تعلّمها فإنّ خطوة إعمال العقل فيها تصنّفها تلقائياً في مرتبة الألعاب الفكرية. وهذا حالنا مع ألعاب قد يحتجّ البعض في مدى صحّة تصنيفها هذا كلعبة البلياردو مثلاً. لكنّ الإثباتات العديدة التي تدلّ على إعمال العقل في هذه اللعبة كاحتساب الزوايا وانعكاساتها واعتماد الإستراتيجيات اللازمة بالإضافة إلى أحد الأسباب الأبرز وهو عدم ارتباطها بالقدرات الجسدية، كلّ هذا يدلّ على أنّها من الالعاب الفكرية وبها نبدأ استعراضنا في الحلقة الثانية.
البلياردو:

تاريخ البلياردو:

طاولة بلياردو
من الصعب جداً تحديد مخترع لعبة البلياردو فتاريخ اللعبة معقّد للغاية. ويكفي أن نذكر أنّ كلاً من الفرنسيين والإنكليز والألمان يدّعون اختراعها. حتّى أنّ هنالك بعض الأساطير التي تردّها إلى الصين قبل ظهورها في أوروبا بأجيال. والصعوبة أيضاً في تحديد مبتكري اللعبة تنسحب على الفترة الزمنية التي ظهرت فيها ولو أنّ الترجيحات تصبّ لصالح ظهورها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر على الرغم من بعض الأصوات التي تردّ ظهورها إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

اللعبة وقواعدها:

على الرغم من استمرار إجراء بعض التعديلات على قواعد لعبة البلياردو العامة فإن الطريقة الأصلية لم تتغيّر. وذلك عبر ضرب الكرات الملونة بواسطة كرة بيضاء ومن خلال عصا تكون بيد اللاعب وتسمّى quot;عصا البلياردوquot;. والمطلوب هو إدخال الكرات بأسرع وقت ممكن إلى الحفر الستة المعدة عند أطراف الطاولة.

وهنا يظهر ذكاء اللاعب في اتخاذ الخيارات وفي تحليل المعطيات أمامه وفي انتهاز الفرص، وذلك كلّه لا يخلو من استخدام المهارات الهندسية التقليدية في قياس الزوايا الخاصة بضرب الكرات والخاصة بالطاولة المستطيلة الشكل.

مشاهير أحبّوا البلياردو:

كرات بلياردو
بين الكمّ الهائل من اللاعبين الذين مارسوا لعبة البلياردو والذين أحبّوا اللعبة وتعلّقوا بها نجد في الغرب بعضاً من الشخصيات المهمّة في التاريخ وفي الفكر الإنساني اعتبرت البلياردو لعبتهم المفضّلة. من هؤلاء نذكر ملكي فرنسا لويس الحادي عشر ولويس السادس عشر، عالم الإجتماع الكبير إيمانويل كانت، والموسيقار الشهير وولفغانغ موزارت.

ألعاب البلياردو:
يوجد في البلياردو عدد من الألعاب التي تستقل عنها بعض الأحيان. فاللعبة الأساسية هي quot;إيت بولquot; أي الكرة الثامنة وهي الكرة السوداء التي يتنافس اللاعبان لإدخالها بعد انتهائهما من إدخال كراتهما (سبع كرات لكلّ لاعب متميّزة عبر الأرقام والألوان بالإضافة إلى الكرة الثامنة حيث تتألّف اللعبة من خمس عشرة كرة وبالإضافة أيضاً إلى الكرة البيضاء التي تستخدم للضرب من قبل كلا اللاعبين). اللعبة الثانية هي quot;الناين بولزquot; أو التسع كرات حيث يتنافس اللاعبان على إدخال تسع كرات مع عدم السماح لهما بتخطّي أيّ من الكرات وصولاً إلى التاسعة حيث تدخل الكرة الأولى ومن ثمّ الثانية وهكذا.

أمّا اللعبتان اللتان تختلف طاولتاهما بالإضافة إلى الكرات المستخدمة فهما السنوكر، والثلاث كرات. فطاولة السنوكر أكبر من طاولة البلياردو العادي والكرات الموجودة عليها ذات ألوان لا أرقام ويزيد عددها على كرات البلياردو ليصل إلى 22 كرة.

أمّا لعبة quot;الثلاث كراتquot; فهي أيضاً مختلفة بخصوص الطاولة حيث لا يوجد فيها أيّ حفرة خاصة بإدخال الكرة. وكما يدلّ اسمها فهي تحوي ثلاث كرات فقط يطلب من اللاعب ضربها ببعضها البعض جميعاً في كلّ دور للحصول على النقاط.

الريسك:
تاريخ الريسك:

هي لعبة احتلال العالم، أخترعت في الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب العالمية الثانية وذلك من اجل رفع معنويات الأمريكيين الذين رغم انتصارهم في هذه الحرب فقد منيوا بخسائر كبيرة إن من خلال ضرب أسطولهم البحري في quot;بيرل هاربورquot; من قبل اليابانيين أو من خلال مئات آلاف القتلى والجرحى ومبتوري الأعضاء على جبهتي المحيط الهادئ وأوروبا. وازدهرت اللعبة وانتشرت عالمياً خلال حرب quot;فييتنامquot; التي خاضتها الولايات المتحدة في سبعينات القرن العشرين.

طريقة اللعب:
تلعب الريسك على رقعة تمثل خريطة العالم الكاملة، ويتوزّع اللاعبون الذين يتراوح عددهم بين اثنين وستة أو سبعة أو ثمانية على الخريطة عبر جنودهم الذين يحتلون جزءاً منها وبألوانهم المميّزة عن الجنود الباقين وذلك عن طريق رمي الزهر.

ويبرز الذكاء بشكل عسكري قيادي حربي من خلال هذه اللعبة عبر قدرة اللاعب على الإحتفاظ بالأراضي التي يحتلّها وقدرته على توجيه الضربات نحو أراضٍ جديدة وتحديد خياراته عبر الجبهات المتعدّدة للحرب الدائرة بينه وبين اللاعبين الآخرين.

الداما:
تاريخ اللعبة:

الداما واحدة من ألعاب الذكاء ولو دون استخدام كثير من الجهد كغيرها من الألعاب. ظهرت الداما في البدء عام 1100 للميلاد في جنوب فرنسا وبعدها انتشرت اللعبة في باقي أنحاء لتشكّل اليوم لعبة معروفة للغاية في الأوساط الغنية والشعبية على حدّ سواء. وهذا الأمر يعود لسهولة التجهيز حيث لا تتطلّب اللعبة أكثر من لوح 8 ضرب 8 خانات وستّة عشر حجراً لكلّ لاعب يمكن أن تكون من أغطية قناني المشروبات الغازية حيث يمكن التمييز بين حجارة اللاعبين عبر قلب أغطية لاعب وترك أغطية اللاعب الآخر كما هي.

طريقة اللعب:
تجرى بطولات الداما اليوم في كلّ من فرنسا وبريطانيا والولايات المتّحدة الأمريكية وبعض الأنحاء المختلفة من العالم وبنفس الطريقة الأصلية المعتمدة منذ بداية القرن الماضي. ولا يعتمد اللاعبون أيّ تحضير مسبق كباقي الرياضات الفكريّة أو الجسدية، بل يعتمدون على طريقة تسمّى quot;إذهب كما أنتquot; فاللعبة بسيطة ولا تحتاج سوى إلى فهم كافٍ للخطوات الواجب اتخاذها.

وتتطلّب اللعبة من اللاعبين، بعد صفّ الحجارة والتمييز بينهما على الرقعة، القفز فوق حجارة اللاعب المنافس للوصول إلى المنطقة التي تركت خالية عند حافة الرقعة. أمّا الحجارة التي يقفز فوقها فتخرج من اللعبة بينما يفوز من يخرج أحجار المنافس جميعاً. ويحقّ للاعب تحريك حجارته نحو اليمين واليسار والأمام بواقع خطوة واحدة فقط، أمّا في حال وصوله إلى منطقة حافة الرقعة خلف دفاعات الخصم يحقّ له عندها تحريك حجره الذي يسمّى عندها quot;داماquot; في كلّ الإتجاهات عبر الرقعة ودون التقيّد بمبدأ الخطوة الواحدة، وهذا ما يسهّل له طريق الفوز.

الكلمات المتقاطعة:

كلمات متقاطعة
الكلمات المتقاطعة هي إحدى ألعاب التسلية والمعلومات التي تتضمنها الصحف والمجلات وتعتبر أهمّ تلك الألعاب لما تتضمنه من ألغاز تشمل المعلومات العامة من لغة وأدب وفن وثقافة وتاريخ وجغرافيا وتكنولوجيا وغيرها العديد والعديد من الأسئلة الغامضة.

أمّا إعدادالكلمات المتقاطعة فيتطلّب سعة المعرفة والثقافة لدى المؤلّف بالإضافة إلى الترتيب الجيّد للخانات السوداء والبيضاء وبطريقة منظّمة.

تاريخ اللعبة:
يعود تاريخ اللعبة إلى كانون الأول من سنة 1913 حيث قامت جريدة quot;نيويورك وورلدquot; بنشر أوّل شبكة كلمات متقاطعة في العالم. أمّا مؤلّف تلك الشبكة فهو quot;أرثر وينquot; الذي صمّمها بما يشبه الماسة.

بعدها قامت دار نشر تسمّى سايمون وشوستر بإصدار كتاب يحتوي على عدد كبير من شبكات الكلمات المتقاطعة وذلك في العام 1924.

اللعبة:
هنالك عدّة خطوات تعرّف باللعبة وتساعد على فهم الشبكات وحلّها بالطريقة المناسبة. فاللعبة تعتمد على الحروف كمكوّن أساسي لخاناتها الفارغة بحيث يشكّل مجموعها بترتيب معيّن أفقي أم عمودي الكلمات التي تبحث اللعبة عن مرادفاتها بشكل أقرب ما يكون إلى الأحجيات.

وقد ترد بعض هذه الكلمات أحياناً صحيحة دون أيّ بحث عن مرادفها أو حلّها والمطلوب في ذلك بحسب متطلبات واضع الشبكة بعثرة الأحرف بما يتلاءم مع خطته لالتقاء الأحرف العمودية بالأفقية التي تستكمل من خلالها الشبكة.

وتتبع هذين الخيارين بعض العبارات الرائجة فيها ككلمة quot;معكوسةquot; أي حين يطلب من اللاعب كتابة أحرف الكلمة من اليسار إلى اليمين إذا ما كانت أفقية، أو من الأسفل إلى الأعلى إذا ما كانت عمودية. أمّا عبارة quot;أحرف متشابهةquot; أو quot;متشابهانquot; فتعني وضع الأحرف بما يرد في العبارة بحذافيرها.

ويبقى أن نذكّر مجدّداً أنّ إعداد الكلمات المتقاطعة يتطلّب سعة للمعلومات في شتّى الميادين واستراتيجيات لركن الكلمات داخل الشبكة في المواضع الصحيحة، المتقاطعة، والمؤثّرة على حدّ سواء. وهذا يتطلّب بالتالي من اللاعب أو الساعي إلى حلّ اللعبة إستراتيجيات في الحلّ تعتمد على البدء بالإجابة عن الأسئلة التي حسم أمره تجاهها، أو البدء بالكلمات الصغيرة التي تتألّف من حرفين أو ثلاثة وصولاً إلى الكلمات الكبيرة التي تبرز تلقائياً من خلال الحلّ التسلسلي هذا.

ألعاب فكرية من العالم:
في كثير من البلدان نجد ألعاباً فكرية تختصّ بطبيعة هذا البلد وطريقة تفكير أهله. وبعض هذه الألعاب يشبه إلى حدّ كبير الألعاب الفكرية المنتشرة عالمياً، والبعض الآخر يختصّ بلغة هذا البلد او ذاك. من هذه الألعاب سنتحدث عن أكثر من لعبة هي كالتالي:

السكرابل: وهي لعبة من الولايات المتحدة تسمّى بلعبة التهجئة. وتعتمد السكرابل على التحليل والحفظ، وذلك يعود إلى صعوبة تركيب الأحرف اللاتينية وقواعد الأحرف الصوتية (أحرف العلّة) المعقّدة فيها، عدا عن كبر بعض الكلمات وكثرة الأحرف فيها.

اللعبة اخترعها ألفريد موشير باتس وأنزلها إلى الأسواق الأمريكية عام 1948 بعدما رفضت أكثر من مرّة من قبل شركات إنتاج الألعاب. ومنذ ظهورها الأوّل اصبحت السكرابل اليوم تحتلّ مكاناً مرموقاً في الثقافة الأمريكية حتى باتت تشكّل رمزاً من رموزها.

التيتراس: التيتراس واحدة من ألعاب الفيديو التي اخترعها في روسيا عام 1985 ثلاثة علماء هم باجيتنوف، وبافولسكي، وجيراسيموف. جاء اسم تيتراس من اليونانية وهو يعني الرقم أربعة. واللعبة عبارة عن متاهة كومبيوتر بأشكال هندسية عديدة مؤلّفة من أربعة أضلاع يسعى اللاعب لتركيبها بالطريقة السليمة، فيجمع النقاط عند تفجير المكعبات التي ركّبها من هذه الأشكال. ويخسر اللاعب في حال امتلاء الشاشة عند تركيب الأشكال الهندسية بطريقة مغلوطة فوق بعضها البعض لتبرز على الشاشة العبارة المشهورة quot;غيم أوفرquot; أي انتهت اللعبة.

الغو: ظهرت الغو في الصين لأول مرة عام 200 قبل الميلاد وكانت من فنون السيّد الصيني الأربعة. لكنّها بلغت قمة تطورها على يد اليابانيين بعد أن أدخلها إليهم الصينيون في القرن السابع الميلادي. ففي اليابان حصلت الغو على الدعم الرسمي خلال حكم أسرة توكوغاوا من بداية القرن السابع عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر. ولذلك تعرف الغو بإسمها الياباني وهو إيغو. أما أسماؤها الأخرى فتعرف باسم وَيْ چي في الصين و باسم بادك في كوريا. أما الغو الحديثة فكانت اليابان البلد القائد لها حتى الثمانينات من القرن العشرين حين انتصر اللاعب الصيني نيه وي پنغ على 11 من أحسن اللاعبين اليابانيين. وفي التسعينات ظهر عدة لاعبين كوريين ممتازين. تلعب الغو على لوحة مقسمة بتسعة عشر سطراً قائما وتسعة عشر سطراً تقطعها في زاويات قائمة. وفي لعبها يتبادل اللاعبان وضع حجارة من لونين. يصل عددها إلى 361 حجراً. ومع أنّ قواعد اللعبة بسيطة، فإنّها تتطلب إستراتيجيات وخطط عديدة.

وبعد لا يبقى في نهاية استعراضنا للألعاب الفكرية على مدار حلقتين سوى أن نذكر أنّ دخول هذه الألعاب عالم الكومبيوتر الواسع زاد من انتشارها في العالم وزاد من محبّيها، ولو أنّها تجد منافسة كبيرة في هذا المجال من ألعاب كومبيوتر أو فيديو من النوع التجاري الذي لا يتطلّب ذكاءً بتاتاً.

أمّا الخبر السيّء بخصوص دخول الألعاب الفكرية عالم الكومبيوتر فهو غياب روح المنافسة بين اللاعبين أنفسهم، حيث يقوم اللاعب بتحدّي الكومبيوتر في معظم الأحيان.