أحيا الفنان العراقي،طالب القره غولي، أمسية غنائيَّة في السويد على الرغم من الجو البارد المسيطر على المدينة، ووسط حشدٍ كبيرٍ من أبناء الجالية العراقيَّة.


بغداد: على مسافة بعيدة جدًّا عن مدينته (الناصرية) في جنوبي العراق، وبعيدًا جدًّا عن المدينة التي ضاءت فيها ألحانه (بغداد)، كان الفنان العراقي طالب القره غولي يستذكر الكثير من الاحداث التي مر بها وسط ذلك الصقيع الاوروبي الذي جعل درجات الحرارة تنخفض الى اقل من عشرة درجات مئوية، هناك لم يكنوحده بل اجتمع حوله العشرات من ابناء الجالية العراقية، اولئك الذين يتغنون بالكثير من اغانيه كلما داهمهم الحنين الى بلدهم وتذكروا مدنهم.

اذن هم قريبون منه، وبالتأكيد ان سماعهم بوجودهم في عاصمة السويد (ستوكهولم) ومشاركته في احياء امسية عراقية، يدعوهم الى ان يحملوا على عواتقهم كل اطنان الحنين والركض بها الى القاعة التي اصبحت اكثر دفئًا من اي مكان في السويد.

غناؤه كان مفعمًا بالحنين، وحكاياته كانت تمتلك قدرتها على التشويق، لكن الامسية اشتعلت بالحزن حينما تم ذكر ان القره غولي، الذي بساق واحدة وما زال يعاني من اوجاع بتر الساق الاخرى، ولابد ان يغادر السويد لانه لم يحصل على الاقامة، نظرات الى الافق ثم الى البعيد، ربما الى وزارة الخارجية العراقية، لتتدخل عن نظيرتها السويدية عسى ان تشفع للفنان من اجل البقاء لاستكمال العلاج .

يقول الصحفي الدكتور لؤي البلداوي انه حضر تلك الامسية وذهب يحكي عنها: quot;وفاء لما غمره به ابناء الجالية العراقية في السويد عندما تعرض الى وعكة صحية في حزيران/ يونيو عام 2011، التي نقل على اثرها الى المستشفى وخرج منها بساق واحدة، اذ بترتساقه اليمنى، لبى الفنان طالب القره غولي دعوة فرقة طيور دجلة لاحياء امسية عراقية أصيلة في جو ثلجي بارد أنخفضت فيه درجة الحرارة الى اكثر من10 درجات تحت الصفر، لكن حرارة اللقاء بين ابناء الجالية العراقية في السويد والفنان طالب القره غولي اذابت جليد السويد واحالته الى دفء عراقي خالص بث الحرارة في اجواء القاعة التي غصت بمحبي الفنان واضطر البعض الى الوقوف عند المدخل وهو يردد (يكفي ان اسمع صوت طالب، صوت العراق الاصيل، ولايهم ان لم احصل على مقعد للجلوس) لان الحضور تجاوز حجم المكانquot;.

واضاف: quot;الحضور في الاغلب كان ممن عاش فترة فن السبعينيات وردد اغاني كبار فناني العراق انذاك ومع ذلك حضر ممن هو اقل عمرًا من هؤلاء، وما ان أطل طالب القره غولي على المسرح يصحبه الماسترو علاء مجيد حتى دوت في القاعة اصوات الايادي العراقية تصفق بحرارة كبيرة، وكان التصفيق شديدًا مما دفع احد الحضور من عشاق كرة القدم الى التعليق (عبالك العراق طلع كول)، وقف الفنان يُحيي الحضور، واقسم انه لم يكن يتوقع حتى في الخيال ان يلقى هذا التعاطف والحب والوفاء من محبيه وعشاق الفن العراقي، ولهذا عندما تقدمت اليه وهنأته بسلامة نجاح العملية قال: امام حبهذا الجمهور فدوه تروحلهم ساقي الثانيةquot;.

وتابع البلداوي: quot;الفنان تحدث للحاضرين عن معاناته عندما وصل الى ستوكهولم للمشاركة في حفلة لفرقة طيور دجلة واصيب بوعكة صحية نقله اثرها بعض الاصدقاء الى مستشفى في جنوب العاصمة السويدية، فقرر الاطباء اجراء عملية بتر ساق، وبسرعة كبيرة لان التاخير سيؤدي بحياته، وهنا بدأت رحلة معاناة الفنان، وذلك لان العملية تكلف مبالغ طائلة لا يوجد من يقدر على دفعها من معارفه في السويد، والمستشفى لا تجري العملية الا بعد دفع كامل الاجور، ومن معه لا يملك سوى الدعاء للفنان بالشفاء، وهنا ساد القاعة هدوءًا شديدًا لمعرفة كيف كان الحل، وجاء الحل، كما قال الفنان القره غولي على النحو الاتي: عندما قامت الدكتورة بتول الموسوي، الملحقة الثقافية بالسفارة العراقية في السويد، بزيارة الفنان في المستشفى للاطلاع على حالته الصحية، وصادف انها كانت ستغادر الى بغداد في اليوم التالي، وفعلاً غادرت الى بغداد وهي تحمل معها مشكلة الفنان طالب القره غولي، وقد تمكنت من طرح المشكلة امام انظار رئيس الوزراء نوري المالكي الذي علق - حسب ما ذكرته د.الموسوي- ان المبلغ لو كان مئة الف دولار فهو قليل بحق فنان كبير مثل طالب القره غولي، وهنا صفق الحضور لانفراج الازمة المالية وتحمل الحكومة العراقية مصاريف العملية والعلاج، وقدم الفنان شكره الى كل العراقيين واركان السفارة الذين حضروا الامسية، عندما انتهى الفنان من ايضاح هذه الحقيقة، حمد الجميع الله على سلامتهquot;.

ويمضي البلداوي في حديثه قائلاً: بعدها نقل الفنان القره غولي الحاضرين الى مدينة الناصرية التي ولد فيها عام 1937 ووصفها بانها (اكاديمية فنون جميلة) معددًا اسماء عشرات الفنانين العراقيين المبدعين في مختلف الفنون والاداب (الغناء، التلحين، الشعر الشعبي، المسرح، الرسم، وكل فنون الادب وغيرها) فمن ولد بالناصرية وعاش بها لا بدان يكون فنانًا مبدعًا، او انه شي اخر، لان الناصرية بيت الفن والغناء والطيبة والعشق والحزن الفطري.

وعندها بدأت الفرقة الفنية بقيادة الفنان المبدع علاء مجيد بعزف اولى الاغنيات (أعزاز) التي الهبت المشاعر المكبوته تحت جليد السويد القاسي (عزاز عزاز عزاز والله عزاز.. شوكهم شوك شواطي الليل دجلة.... مدللين والفراك بعينهم شوف الحمام الجاي لهــلــة ... والعتب بشفاهم ود وحنين.. مدللين احباب كلبي مدللين .... عزاز حق الله عــــــزاز) فبكى من الحاضرين من بكى وهو يتذكر (أعزاز ) قلبه من احباء واصدقاء واقرباء واهل في مدن العراق من دهوك الى البصرة ومن الانبار الى ديالى.

بعدها تحدث الفنان عن قصة اغنية (يم داركم ) وقال عنها : ان الفنان حميد منصور غناها بحنجرته ولم يؤديها من قلبه، ولم تكن فيها اي مشاعر حب حقيقي، ومن طريف ما ذكر انه سأل الفنان حميد منصور محتجًا على أدائه للاغنية،الا تحب أنت ياحميد؟ فاجابه حميد منصور: quot;والله استاذ اني احب بس اميquot;،فغصت القاعة بالضحك والتصفيق للفنان الذي غنى بصوته الشجي اغنية (يم داركم) (يم داركم صدفه أخذني الدرب من يم داركم ....والتمت بروحي المحنه وشتهيت أخباركم ....متذكرت عايفكم وعفتوني ..رد من جديد الشوق بين عيوني......لوما أحس أعبرت عتبت داركم .....والتمت بروحي المحنه واشتهيت اخباركم).

وقال: الفنان طالب تحدث عن الفنان كاظم الساهر بحب واحترام كبيرين وقال عنه: انه فنان حقيقي اثبت وجوده في زمن الغناء العراقي الرديء، انه كوَّن نفسه بشكل صحيح وقدمها بقوة، وفرض شخصيته الغنائيه على جمهور المستمعين، واضاف: quot;عندما يغني كاظم الساهر القصيدة العربية ينصت له الجميع وتكاد تسمع صوت رنين الأبرة لو سقطت على الارضquot; وقال: انا افتخر بالفنان كاظم الساهر.

بعدها غنى الفنان العديد من الاغنيات التي اطرب من خلالها السامعين وختم الحفل باغنية (حاسبينك) التي كتب كلماتها الشاعر الراحل زامل سعيد فتاح، وغناها المطرب العراقي فاضل عواد (حاسبينك .. مثل رمش عيونه ...بعشرتك لينه ....معاهدينك .. وانته كل العمر...وأيامه وسنينه...وداعتك ذاك انته غالي....حبيب وسلوة حجينه ).

وأستأذن الفنان الحاضرين بان يقص عليهم قصة رحيل الشاعر الراحل زامل، فقال عنه: quot;انه انسان طيب طيبة الناصرية التي انجبته، لكنه كان مهملاً لايقيم وزنًا لاي شي في حياته، وكان قد تعرف على احدى المعلمات اثناء عمله في مديرية النشاط المدرسي وقرر ان يتزوجها، وعندما حضرت الى بغداد وكانت من سكنة المحافظات، قرر عدم الذهاب الى الموعد، ألا ان القره غولي اقنعه بالذهاب وفعلاً اتفقا على الزواج، وذهب بعدها الفنان طالب القره غولي وعدد من زملاء الراحل لخطوبة الفتاة.

ويضيف الفنان القره غولي: بعد ان انتهينا من الخطوبة وقبل ان نغادر منزل الفتاة طلب اخوها الكبير الانفراد بي وقال لي: اخي طالب انني لدي ثلاث اخوات تزوجن جميعهن الا ان ازواجهن توفوا بعد الزواج بشهرين او ثلاثة اشهر من الزواج، وهذه اختي هي الرابعة، يقول الفنان طالب تعجبت من هذه القصة ونقلتها فورًا الى الراحل زامل سعيد الذي لم يعر لها اهتمامًا كعادته، وتم الزواج بعد ايام من الخطوبة، الا ان زامل لم يغيرمن سلوكه اليومي الذي اعتاد عليه قبل الزواج، وهو السهر خارج المنزل والعودة متأخرًا، وذات ليلة (1983)طلب من احد زملائه (المخرج نبيل أبراهيم ) ايصاله الى المنزل وكان الوقت متاخرًا ليلاً بعد قضاء سهرة في اتحاد الادباء، غادر الفنان القره غولي الى منزله والراحل زامل مع المخرج نبيل ابراهيم بسيارته الى المنزل، وما ان وصل الفنان طالب الى المنزل ، اتصل به احدهم ليبلغه ان زامل بوضع خطر في المستشفى، اذا اصطدمت السيارة التي تقله الى المنزل بسيارة اخرى، يقول القره غولي بعد ان وصلت الى المستشفى كان الراحل زامل سعيد فتاح قد فارق الحياة وقد مضى على زواجه ثلاثة اشهر لاغير، وعندما التقاني اخ زوجة الراحل في التشييع قال لي وهو يبكي: quot;ألم اخبرك يا طالب بقصة خواتيquot;.

ويختتم الزميل البلداوي حيثه بالقول: كانت مشاعر الفرح تتدفق من عين القره غولي وهو يتلقى التهاني وباقات الورود، لكن الحسرة كانت حاضرة ايضًا في قلبه، أذ انه سيُرحل من السويد، لعدم منحه الاقامة فيها من قبل السلطات السويدية، لذا وقٌع الحاضرون مذكرة رفعوها الى الحكومة السويدية طالبوا فيها النظر بعين الانسانية الى وضع الفنان الصحي ومكانته في حركة الفن العراقي، لاسيما وانه ما زال بحاجة الى علاج وعناية صحية غير متوفرة في العراق، ولهذا فان منحه الاقامة في السويد سيساعد على تعافيه والعودة للابداع من جديد، لاسيما وأنه الان عاجز عن السير بمفرده.