توصلت الأجهزة الامنية الأميركية إلى نتيجة مفادها أن نمط الهجوم الذي حاول أن يستعين بهالشاب النيجيري في محاولة تفجير الطائرة، هو نمط مماثل لأساليب تكتيكية سبق لأحد الانتحاريين الذي تربطه علاقات معروفة بفرع تنظيم القاعدة في اليمن استخدامها، فيما واصلت وسائل الإعلام الأميركية اهتماهابتفاصل القضية، ورصدالبيئة التي عاش فيها.

مازالت المحاولة التي فشل على أثرها الشاب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب في تفجير طائرة الرحلة رقم 253 بين أمستردام وديترويت يوم الجمعة الماضي مثار اهتمام أجهزة الأمن الأميركية، ومحط متابعة مختلف وسائل الإعلام الأجنبية. فعلى الرغم من مرور ما يزيد عن 48 ساعة عن تناقل وكالات الأنباء ومحطات الأخبار التلفزية كافة التفاصيل الأولية المتعلقة بالواقعة وبعض البيانات المتعلقة بهوية منفذ تلك المحاولة الإرهابية الفاشلة، إلا أن آخر تطورات الواقعة ما زالت تتوالى، وترصدها مختلف وسائل الإعلام. وفي هذا الإطار، تزيح اليوم صحيفة quot;واشنطن بوستquot; الأميركية النقاب ndash; طبقا ً لشهادات مجموعة من أقرباء عبد المطلب ndash;عن أن هذا الشاب الذي ترعرع في ظروف معيشية مترفة، واهتم والده ( وهو مصرفي نيجيري ثري ) بأن يتلقى تعليمه في المدارس الدولية، وسبق له السفر إلى الولايات المتحدة، قد تحول إلى أحد أعداء الغرب خلال وقت ما من هذا العام.

هكذا جرت المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة الرحلة 253 بين امستردام وديترويت

التحقيق مستمر مع عبد المطلب... والمسافرون أكبر الضحايا

تحقيق دولي بعد محاولة تفجير طائرة متوجهة لاميركا

وتمضي الصحيفة لتكشف أيضا ً عن أن عبد المطلب، هذا الطالب الجامعي ذو الثلاثة وعشرين ربيعا ً، وكان يتناوب العيش بين لندن ودبي ( من أجل الدراسة )، قد أثار قلق أسرته بسبب تبنيه وجهة نظر متطرفة على نحو متزايد للإسلام. وقد قام قبل بضعة أشهر قليلة بالاستغناء عن أسلوب الحياة المترف الذي كان يعيشه، كما قطع كافة علاقاته بوالديه، ثم اختفى. وحينها، اشتبه أفراد أسرته في احتمالية أن يكون قد ذهب إلى اليمن، موطن والدته الأصلي. ورغم تأكيد الصحيفة على أن أجهزة الأمن الأميركية مازالت تعمل خلال هذه الأثناء على تحديد مدى تورط عبد المطلب مع إحدى التنظيمات اليمنية التابعة لتنظيم القاعدة، إلا أنها نقلت عن مسؤولين أميركيين متخصصين في مكافحة الإرهاب ومسؤولين آخرين يعملون في جهات إنفاذ القانون قولهم إن عبد المطلب كان معدا ً ( بالسلاح والدوافع ) لتنفيذ هجوم قاتل.

وتمضي الصحيفة في ذات السياق لتنقل عن مصادر أميركية كشفها عن أن نمط الهجوم الذي حاول أن يستعين به المشتبه فيه - من خلال محاولته تفجير غرامات قليلة من مادة PETN العسكرية شديدة الانفجار التي كان يخبئها في جسده - هو نمط مماثل لأساليب تكتيكية سبق لأحد الانتحاريين الذي تربطه علاقات معروفة بفرع تنظيم القاعدة في اليمن أن ينفذها في محاولة فاشلة أخرى ( في إشارة لمحاولة الاغتيال الفاشلة التي سعى لتنفيذها الشاب الانتحاري عبد الله حسن طالع عسيري ضد الأمير محمد بن نايف ). وتابعت الصحيفة بنقلها عن أحد المصادر من داخل جهات إنقاذ القانون في الولايات المتحدة كشفه عن أن المحققين الفيدراليين بدؤوا لتوهم في تمشيط حالة المشتبه فيه المالية، وكذلك اتصالاته، وسفرياته، في محاولة لتقفي أثره وتتبع خطواته خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة. ويردف هذا المصدر بالقول quot;رغم أن السلطات تجري تحقيقاتها وهي تضع نصب عينيها فرضية إقدام المتهم على تنفيذ فعلته بمفرده، إلا أنها لم تستبعد احتمالية مساعدة أناس آخرين له في الأسابيع التي سبقت حادثة ديترويت، بمن فيهم عملاء ناشطين في تنظيم القاعدةquot;.

وتقول الصحيفة إن التحقيقات التي ستجريها السلطات الأميركية في هذا الشأن ستطال أقرباء وأصدقاء المتهم في نيجيريا ولندن. ورغم تحدث بعض من أفراد الأسرة بصورة علنية عن حزنهم للأخبار التي تم تداولها بخصوص إلقاء القبض على عبد المطلب، إلا أنهم لم يكونوا مصابين بالدهشة. وتلفت الصحيفة هنا للكشف المثير الذي فجره والده، الحاج عمر مطلب، خلال المقابلات الإعلامية التي أجراها في الساعات القليلة الماضية، بقوله إنه وجه إنذاراً للسلطات النيجيرية ومسؤولي السفارة الأميركية قبل ستة أشهر عن تنامي وجهات النظر المتطرفة والسلوك الخارق لدى ابنه، وأنه أصيب باندهاش عندما علم بأنه قد سُمِح له بالسفر إلى الولايات المتحدة.

وفي مقابل ذلك، نقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي، رفض الكشف عن هويته، تأكيده على أن تحذيرات الأب هذه لم تذهب أدراج الرياح، مضيفا ً بقوله quot; لم نهمل المعلومات، وقمنا بتمريرها إلى الوكالاتquot;، في إشارة للوكالات الأميركية المنوطة بمنع الهجمات الإرهابية. وفي كشف آخر مثير، أكد النائب بيتر هوكسترا (ميشيغان)، النائب الجمهوري البارز في لجنة المخابرات بمجلس النواب، على أنه تلقى معلومات من مصادر وثيقة تفيد بأن الحكومة الأميركية كانت على دراية بتورط عبد المطلب مع تنظيم القاعدة لمدة شهرين على الأقل، أو حتى ربما quot;لمدة عامينquot;. ومضى هوكسترا ليضيف أن مصادره أخبرته بأن المشتبه فيه تربطه علاقات باليمن، وعلاقات أخرى quot;على الأرجحquot; برجل الدين اليمني المتشدد أنور العولقي، وهو الأمر الذي لم يستطع المسؤولون الأميركيون العاملون في مكافحة الإرهاب أن يؤكدوه.

من جهتها، تكشف صحيفة لوس أنغليس تايمز الأميركية في عددها الصادر الأحد عن أن مختلف المطارات الأميركية بدأت اعتبارا ً من يوم أمس السبت في فرض قيود جديدة على أمتعة المسافرين المحمولة بالإضافة لإجبارهم على الخضوع للمزيد من إجراءات الفحص الدقيق في نقاط التفتيش الموجودة هناك، وذلك على خلفية حادث ديترويت الأخير. وقالت الصحيفة إن السلطات الفيدرالية طلبت من شركات الطيران والمطارات المنتشرة حول العالم بأن تبدأ في تشديد الإجراءات الأمنية، بما في ذلك إخضاع جميع الركاب المتجهين للولايات المتحدة للتفتيش الذاتي، والقيام كذلك بعمليات بحث إضافية، والحد من حركة الركاب خلال الجزء الأخير من الرحلة.

أما صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، فقالت إن الشرطة البريطانية قامت يوم أمس بتفتيش إحدى الشقق السكنية التي كان يستأجرها عبد المطلب في العاصمة البريطانية، لندن، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها السلطات لتجميع معلومات عن هذا الشاب. وفي شأن ذي صلة، قالت كلية لندن الجامعية إن شابا ً يحمل اسما ً مشابها ً لهذا الاسم سبق له وأن قام بدراسة الهندسة الميكانيكية هناك على مدار ثلاث سنوات ( في الفترة ما بين أيلول/ سبتمبر 2005 حتى حزيران/ يونيو 2008 ). بينما أرجعت صحيفة النيويورك تايمز في تقرير لها اليوم الفضل في إحباط محاولة تفجير الطائرة إلى ردّ الفعل السريع الذي تعامل به الركاب مع الهجوم، وانتقدت في مجمل حديثها تلك الإجراءات التي استنفذت أموالا ً من جانب السلطات تقدر بمليارات الدولار بغية مكافحة الإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2001.

بينما عبرت مجلة التايم الأميركية عن قلقلها من وجود تداعيات أخرى لتلك الواقعة ndash; رأتها على درجة عالية من الخطورة إذا ثبتت صحتها ndash; وهي تلك المتعلقة باحتمالية وجود علاقة بين عبد المطلب وجماعات التمرد المسلحة المنتشرة في نيجيريا. فتقول إن تلك العلاقة تدعو للقلق بشكل خاص ndash; لأنه إذا ما تبين وجود صلة بين عبد المطلب وتنظيم القاعدة ndash; فإن تلك الدولة الإفريقية الكبرى، المُقسمة بصورة حادة بين المسلمين والمسيحيين، ربما تكون قد أصبحت بالفعل ساحة تجنيد جديدة لأسامة بن لادن ndash; وهي الوضعية التي أثارت قلق المسؤولين الغربيين لبعض الوقت.