تبادلت السلطات المصرية وقيادات قبطية الإتهامات بالتسبب بوقوع أحداث العنف التي أدت إلى مقتل شخص وإصابة 67 آخرين، أثناء الإحتجاج على عدم السماح باستكمال بناء كنيسة في منطقة العمرانية التابعة لمحافظة الجيزة، فيما حاول أحزاب المعارضة وجماعة الإخوان المسلمين إستغلال الأحداث لتحقيق مكاسب إنتخابية.


تواصلت ردود الأفعال حول الأحداث التي شهدتها محافظة الجيزة صباح أمس من مشادات ومشاحنات التي وقعت على خلفية شروع الأجهزة المحلية في محافظة الجيزة في هدم مبنى خدماتي بنته كنيسة quot;العذراء والملاك ميخائيلquot; ما أسفر عن مصادمات بين الشرطة والأقباط أدت إلى مقتل شخص وإصابة واعتقال العشرات منهم.

ووجهت النيابة العامة 14 إتهاماً إلى نحو 171 مواطناً هي: التجمهر بالمخالفة للقانون، إحداث الشغب، زعزعة السلم والأمن العام، التخريب العمد للمنشآت العامة،حيازة واستعمال مواد متفجرة، الشروع في قتل مساعد مدير أمن الجيزة، محاولة قتل ضباط في قسم شرطة العمرانية، الاعتداء على قوات الأمن المركزي، إتلاف سيارات الأمن، السرقة بالإكراه لبطاريات سيارات الشرطة،حيازة أسلحة بيضاء ونارية من دون تراخيص، عدم حمل بطاقات هوية، إلقاء الطوب والحجارة على سيارات الشرطة والمارة، وتعطيل وسائل النقل العام عمداً. وأمرت النيابة باستدعاء خمسة قساوسة من مطرانية الجيزة لسماع أقوالهم في القضية.

وتجددت التظاهرات مساء أمس، و لكن أمام مقر نيابة الجيزة الكلية، وإشترك فيها العشرات من أهالي المعتقلين والمحامين، إحتجاجاً على ما وصفوه ب quot;منع دفاع المتهمين من حضور التحقيقات، وعدم الإفراج عنهمquot;، وهتفوا: quot;افرجوا عن ولادناquot;، quot;مسلم قبطي الإيد في الإيد، والعزيمة حديد في حديدquot;. وبات أهالي الجرحى ليلتهم أمام مستشفى أم المصريين العام، التي يرقد على أسرتها نحو 55 مصاباً، و فرضت قوات الأمن طوقاً أمنياً مشدداً حول المستشفى، وأشرف رجال أمن في زي رسمي على دخول وخروج المرضى.

وشكلت النيابة فريقا من المحققين للاستماع إلى أقوال المصابين من رجال الشرطة ومن الأقباط فضلا عن الاستماع إلى أقوال الأقباط الذين تم القبض عليهم عقب المصادمات.

واعتبر الكاتب الصحافي مجدي الدقاق القيادي في الحزب الوطني الحاكم في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot; أن الأمور تفاقمت بشكل مبالغ فيه دون مبرر مشيراً إلى أن الجهات التنفيذية إذا كانت قراراتها سليمة فيحق لها تنفيذ قراراتها أما إذا كانت غير ذلك فيجب مراجعتها.

وأكد الدقاق أنه من الخطأ ربط ما حدث بالتصويت في انتخابات مجلس الشعب المقررة يوم 28 من الشهر الجاري مشيرا إلى أن هذا الموضوع خلط الدين بالسياسة فضلا عن أن مثل هذا الحديث يولد مناخا من العنف الطائفي غير المرغوب فيه.

وفي أول ظهور له عقب التظاهرات التي وقعت صبيحة العظة الأسبوعية له، لم يتطرق البابا شنودة إلى تلك الأحداث، مفضلاً الحديث عن مصادمات بين مسلمين ومسيحيين وقعت منذ نحو أسبوعين في محافظة قنا جنوب الصعيد، ودعا المسؤولين إلى صرف تعويضات مادية للمتضررين من الأقباط، متهماً الأمن بغض الطرف عن التدمير الذي تعرضت له تلك ممتلكاتهم، وقال quot;يعني إيه يتحرق 20 بيت في منطقة النواهض بقنا فين رجال الأمن؟quot;.

وحاول عدد من الأقباط المتضررين من أحداث العمرانية وقرية أبوتشت في قنا، الحديث خلال العظة ورددوا عبارات سرعان ما تمت السيطرة عليها وعلى اللافتات التي أخرجوها من ملابسهم ورفعوها إلا أن الأمن سرعان ما سيطر على الموقف وقال البابا quot;من يريد أن يتحدث عما يعانيه ويطالب بأي شيء عليه أن يكتب ذلك ليصلني وأتعامل معه بالحكمة اللازمة، ولكن الصوت العالي والشغب لن يفيد ويضر بل يضرني أنا شخصياquot;.

ومن جهته، حمل المستشار نجيب جبرائيل المستشار القانوني للبابا، على الحزب الوطني الحاكم بشدة، متهماً إياه بالمسؤولية عما وقع من أحداث تسببت بقتل مواطن وجرح 67 آخرين، متوقعاً أن يفقد أصواتهم في الإنتخابات البرلمانية المقبلة.

وقال لـ quot;إيلافquot; إن تظاهر الأقباط بهذه الطريقة العنيفة، هو نتاج تراكمات كثيرة على مدار عشرات السنين، منها تهميشهم سياسياً، وتجاهل منحهم حقوقهم، وعدم إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة. وإتهم جبرائيل محافظ الجيزة ومدير الأمن بإساءة إستغلال السلطة، من خلال منع إتمام بناء الكنيسة رغم السماح بالبدء في إنشائها منذ نهاية العام الماضي، وطالب بمحاكمتهما بموجب هذه التهمة، معلناً أنه سوف يتقدم ببلاغ إلى النائب العام بهذا الشأن.

وأضاف جبرائيل: إن الأقباط في مصر غاضبون جداً، ويشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، بعد أن حرموا من بناء كنيسة للعبادة، وتم الإعتداء عليهم وإعتقال المئات منهم، و كان من الممكن ألا تصل الأمور إلى هذا الحد لو أن المسؤولين تعاملوا مع الموقف بحكمة. وطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين، وتعويض المصابين.

وشدد في الوقت نفسه على ضرورة quot;بحث المسألة الطائفية في مصر بمنتهى الشفافية، واجتثاث أسبابها من جذورها، والتي تتمثل في التمييز ضد الأقباط، وإصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة. وإعادة صياغة الثقافة المجتمعية التي تفرق بين المسلم والمسيحيquot;. وفسر جبرائيل عدم تعليق البابا على ما حدث، بقوله إن قداسة البابا غاضب جداً، ويصلي من أجل سلامة وأمن مصر كلها.

وعلى الجانب الآخر، اتهمت مديرية أمن الجيزة قساً لم تعلن اسمه بقيادة نحو خمسة آلاف مسيحي ورشق مبنى المحافظة بالحجارة، وقالت في بيان لها: إن عددا من الأقباط قد تجمعوا على مدى 3 أيام حول مبنى لخدمات الكنيسة بهدف فرض الأمر الواقع وإدخال سيارات نقل محملة بمواد البناء في محاولة لاستثمار المناخ الانتخابي وتصاعد وتيرة الحملات الدعائية الخارجية أخيراً، و ذلك لبناء كنيسة بالمخالفة للقانون، رافضين الاستجابة للنصح والتحذير بضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية.

وأضاف البيان: وبادر المتجمعون وعددهم نحو 600 شخص إلى محاولة تصعيد تحركهم وتجمعهم وتسلق عدد منهم مبنى الخدمات وقذفوا القوات المتواجدة بالحجارة وزجاجات المولوتوف كما قاموا بقطع الطريق الدائري، و فور وصول قوات فض الشغب تم التنبيه عليهم بالانصراف والابتعاد عن المبنى. الأمر الذي لم يلق أي استجابة منهم واستمروا في تعديهم على القوات ما اضطرها إلى استخدام الغاز المسيل للدموع وإعادة السيطرة على الموقف وفتح الطريق الدائري، وضبط 93 من مثيري الشغب ومتزعمي التحرك.

وتابع البيان: الأمر الذي دفع أحد القساوسة إلى قيادة تجمع قوامه 5 آلاف شخص لديوان محافظة الجيزة وبدلا من اتخاذ الإجراءات القانونية الصحيحة قاموا برشق ديوان المحافظة والمباني المحيطة حوله بالحجارة، وقاموا بتعطيل حركة المرور ورشق العقارات السكنية والأبنية المختلفة وإشارات المرور بالحجارة.

فيما برأ محافظ الجيزة اللواء سيد عبد العزيز ساحته من التسبب باشتعال الأحداث، محملاً قساوسة المسؤولية عن عدم التدخل لتهدئة الأقباط. وقال لـ quot;إيلافquot; إنه عندما علم بأن المبنى مخالف للقانون، وتحول من مبنى خدمات إلى كنيسة، وحدثت تظاهرات، مؤكداً أنه عندما إجتمع بعدد من القساوسة ووعدهم بتعديل الترخيص من مبنى خدمات إلى كنيسة بشرط الإلتزام بالقانون، والتقدم بطلب جديد بهذا الخصوص، وأشار إلى أنهم لم يتقدموا بأية طلبات.

وفي السياق ذاته، حاول مرشحو الأحزاب المعارضة وجماعة الإخوان المسلمين إستغلال الأجواء لتحقيق مكاسب إنتخابية، حيث تواجدوا في مسرح الأحداث، وقام بعضهم بالتفاوض مع المحتجين على فض تظاهراتهم، وتقديم وعود بالتدخل لدى الجهات المختصة، لإتمام بناء الكنيسة.

وقال نصيف ميلاد شقيق أحد المصابين الذين يرقدون في مستشفى أم المصريين، لـ quot;إيلافquot; بعض المرشحين حضروا إلى المستشفى، وعرضوا علينا مساعدات مادية، وأحضر آخرون طعاماً لنا، وطالبونا بالتهدئة، ووعدونا بحل القضية جذرياً بعد الوصول إلى البرلمان، من خلال تقديم مقترح بمشروع قانون موحد لبناء دور العبادة. وأضاف ميلاد أن الأهالي لم يصغوا إليهم، لأنهم كانوا في غم شديد، لأن أبناءهم يرقدون في المستشفى في حالة صحية خطرة، ومعرضون أيضاً للسجن.

حقوقيا، طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بضرورة تنفيذ الدولة التزاماتها وتعهداتها بإزالة التمييز في القواعد المنظمة لإقامة دور العبادة في مصر وممارسة الحق الدستوري في حرية إقامة الشعائر الدينية.

وأدانت في بيان لها وصل إيلاف نسخة منه بشدة استخدام قوات الأمن للعنف المفرط ضد متظاهرين أقباط أثناء احتجاجهم على وقف أعمال بناء كنيسة. وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية quot;إن أحداث أمس تمثل تصعيداً خطرا في تعامل الدولة مع مواطنيها المسيحيين، فنحن لا نتحدث عن عنف مجتمعي على خلفية بناء كنيسة وإنما عن قوات أمنية تفتح نيرانها على متظاهرين يطالبون بممارسة حقهم الدستوري في ممارسة شعائرهم دون تعسف أو تمييزquot;.

وأضاف quot;بافتراض أن أقباط المنطقة سعوا إلى تحويل مبنى خدمي إلى كنيسة لإقامة شعائرهم، فإن ذلك لا يمكن أن يبرر تلك الدرجة من العنف الأمني وإطلاق الرصاص على المتظاهرين بدعوى مخالفة تصريح بناءquot;. وقال إسحق إبراهيم، الباحث في برنامج حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية quot;إن أحداث الأمس المفجعة لم تكن لتقع إلا في ضوء استمرار انتهاك الدولة لالتزامها بكفالة حرية الدين والمعتقد لكافة المواطنين دون تمييزquot;.

من جهته قال الناشط السياسي المعارض محمد البرادعي عبر حسابه الشخصي على موقع تويتر أمس quot;أحداث العمرانية وصمة على جبين كل مصري، الدين لله والوطن للجميعquot;.