إغتيال المبحوح... دبي تقهر الموساد

يجادل بعضهم أنه لولا الموساد لما كان لإسرائيل أيَّ وجود. ويتعرَّض الجهاز الذي تردّد اسمه كثيرًا خلال الآونة الأخيرة في قضيَّة اغتيال محمود المبحوح، القيادي في حركة حماس، لحملة انتقادات واسعة تهدّد بالإطاحة بتاريخ حفل بالإنجازات. وأبرز الأسئلة عن مدى مواءمة الموساد لنفسه مع التطورات التقنية التي تأخذ العالم شيئًا فشيئًا نحو الرقمية.

رام الله: تحمل طريقة اغتيال محمود المبحوح، القيادي في حركة حماس، لمسات جهاز الموساد الذي أخذه الغرور إلى الاستهتار في قدرات الأجهزة الأمنية في دبي، فظهر عملاؤه كالأغبياء وهم يتتبعون المبحوح متخفين في لباس فريق تنس ويلبسون نظارات، وهو ما حولهم إلى مادَّة دسمة لكاريكاتير الصحف.

فقد نشرت صحيفة quot;هآرتسquot; رسمًا كاريكاتيريًا، يظهر خلاله بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يسأل رئيس الموساد مئير داغان: عندي سؤال واحد حول عملية الموساد في دبي: لماذا جميع العملاء يلبسون النوع نفسه للنظارات؟ ليرد عليه أن هذه العملية تمت برعاية شركة اوبتيكانا! في إشارة لحملة دعائية لشركة محلية.

نجاح شرطة دبي في كشف تفاصيل عملية اغتيال المبحوح وهوية منفذيها وصور جوازات سفر تعود لأوروبيين يعيشون في الدولة العبرية، رفع من منسوب الانتقادات المحلية لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية وأثار الشكوك حول قدراته، ودفع بالكثيرين إلى القول إنَّ الموساد جهاز هواة يعيش في الماضي. وتكاد تصل نسبة الإدانة للعملية بين الجمهور الإسرائيلي إلى 80%.

وتمتدّ الانتقادات لتطال بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يحتاج الجهاز إلى مصادقته على تنفيذ عملية بهذا الحجم. والمعروف عن نتانياهو تدخله الكبير في طبيعة عمل الموساد، إذ يفضل quot;بيبيquot; - كما يلقّب احيانًا- إقحام نفسه بالتفاصيل، ويقف على quot;كل كبيرة وصغيرةquot; من باب تبيان نفسه أمام الضباط بالعالم في الأمور كافة، والاطمئنان على مجرى العمليات.

وقد عاش الموساد حين كان نتانياهو رئيسًا للوزراء في تسعينات القرن الماضي، حالة من الملل والسخط لكثرة طلبات quot;بيبيquot; وغرابتها. ولم يتردّد أحد الضباط في القول: quot;يتصرف نتانياهو كما لو كان الموساد جزءًا من الطريقة التي يريد من خلالها محاكاة بلاط الملك آرثر، ولهذا اضطربت أوضاع الموساد. لا بد من دقّ ناقوس الخطر قبل فوات الأوان!quot;.

وتخطى الموضوع تدخلات نتانياهو آخذًا منحى جديدًا حين حاولت زوجته سارة تشغيل الجهاز لصالحها. وتشير المعلومات والوثائق إلى أنَّ سارة بدورها دخلت على خط الموساد، وباتت تأمره هي الأخرى بمهمات quot;خاصَّةquot;. وملأت الهمسات الممزوجة برائحة الفضيحة مقر الموساد في تل أبيب، بعد طلب زوجة نتانياهو الإطلاع على ملفات تحتوي على معلومات عن التركيبات النفسية لقادة العالم الذين تنوي استقبالهم أو زيارتهم.

ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، إذ يُشاع أيضًا أنَّ مدام سارة طلبت الإطلاع على ملفات سفراء إسرائيل الذين يستضيفونها رسميًّا أثناء رحلاتها الخارجية، وذلك للتتأكد من نظافة مطابخهم ومعدل تغيير أغطية الأسرة في الأجنحة المخصصة للضيوف في مساكنهم!

خالد مشعل أثر تعرضه لمحاولة الاغتيال الفاشلة

وعلى أي حال، لم يكن درب الفشل مع الموساد من نصيب رئيس وزراء إسرائيلي أكثر مما هو مع بنيامين نتانياهو الذي يحفل سجله ببصمات خيبة تأبى مفارقته منذ أيلول (سبتمبر) 1997، حين تمكن الأمن الأردني من إلقاء القبض على عميلين في صفوف الموساد حاولا اغتيال خالد مشغل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.

وكادت العملية أن تطيح باتفاقية السلام بين إسرائيل والأدرن، لولا مسارعة نتانياهو إلى التقاط سماعة الخط الساخن المقام بين البلدين، ومخاطبة الملك حسين بنبرة الرجاء. ولم تستغرق المكالمة الهاتفية بين الملك حسين ونتانياهو سوى دقيقة، لكنها ربما كانت أسوأ لحظة في حياة quot;بيبيquot; السياسية.

ومع اتضاح تفاصيل محاولة الاغتيال الفاشلة لخالد مشعل التي يعالجها كتاب quot;التاريخ السري للموسادquot; لمؤلفه جوردان توماس، تعرض نتانياهو لحملة لاذعة من الانتقادات في الصحافة المحلية والدولية تكفي لجعل أي شخص آخر يستقيل من منصبه.

فخلال أسبوع واحد أطلق سراح الشيخ أحمد ياسين، زعيم حركة حماس، ثم عاد عميلا الموساد اللذين كانا يحملان جوازات سفر كندية إلى إسرائيل، لكن من دون جوازي سفرهما الذي بقي في عهدة السفارة الكندية في عمان. ولم يعد هذان العميلان أبدًا إلى وحدة quot;تنفيذ القتلquot; (الكيدون)، بل أوكلت إليهما أعمال غير محددة في مقر الموساد، وصفها أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية بأنها quot;ربما تعني حفظ الأمن في دورات مياه المبنىquot;.

صور وزعتها شرطة دبي للاشخاص المشتبه تورطهم في اغتيال المبحوح

وما أشبه اليوم بالبارحة، فالعملاء الذين نفذوا عملية اغتيال المبحوح ونشرت صورهم كمقدمة لمطاردتهم من جهاز الشرطة الدولي quot;الإنتربولquot; لن يكون بمقدورهم مواصلة عملهم الميداني على الأرجح، وهذا بحد ذاته إنجاز لشرطة دبي، ففي حال كان هؤلاء الأشخاص يتبعون فعلاً للموساد، فإن الجهاز يكون تلقى ضربة قاسية أخسرته 11 عميلاً ميدانيًا أنفق عليهم سنوات طويلة من التدريب والتلقين.

ويخضع عميل الموساد الميداني لتدريب تتراوح مدته نحو ثلاثة أعوام، فهو يتلقى دروسًا في التعقب والإفلات والقتل والمراقبة، ويعمل الموساد في العادة ضمن مجموعات أو فرق. وتتكون كل فرقة من أربعة أشخاص، كل شخص منها توكل إليه مهمة محددة، فهناك من هو مسؤول عن القتل واستخدام الأسلحة وصنع المتفجرات، وهناك من توكل إليه مهمة التغطية والمراقبة، وآخر يناط به الدعم اللوجستي والاتصال مع نقطة الانطلاق، وكان يطلق على هذه الفرق في الماضي اسم quot;القفازينquot; لأنهم يسافرون إلى الخارج لفترات قصيرة لتنفيذ مهمات محددة ثم يعودون لقواعدهم.